تقارير

استطلاع رأي أمريكي:  أسئلة تبحث عن موريتانيا من الداخل

إعداد محمد محمود الشيباني

تعكس وثيقة سرية( تحت التعريف:1976STATE198172_b)، سربها موقع ويكيليكس، اهتمام واشنطن بمعرفة تفاصيل عن الوضع الداخلي بموريتانيا في السبعينيات.

تستند الوثيقة على مضمون استبيان من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية موجه إلى سفارتها في نواكشوط في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إبان اندلاع حرب الصحراء، مع جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر. وهو ما يعكس طبيعة اهتمام حكومة الولايات المتحدة، أنذاك، بتفاصيل ما يجري في موريتانيا.

في ذروة اضطرام نيران حرب الصحراء أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبينما كانت الجبهات مشتعلة على الحدود ، كانت أسئلة أخرى تتردد في أروقة السفارة الأمريكية بنواكشوط: ما هي حقيقة الداخل الموريتاني؟ وهل النظام قادر على الصمود؟ هذه التساؤلات لم تكن دبلوماسية بل جاءت على شكل استطلاع رأي استخباراتي دقيق، تضمن 17 سؤالًا وجهتها حكومة الولايات المتحدة لسفارتها في نواكشوط تطلب فيه رأيها بخصوص مستقبل البلاد، ومتانة النظام، وتماسك المجتمع.

 

أسئلة تضع الأصبع على الجرح

كان أول الأسئلة هو الأكثر جرأة: “هل أسس المختار ولد داداه دولة الفرد أكثر من دولة الحزب؟” وهو سؤال يعكس شكوك واشنطن في مدى استقلال مؤسسات الدولة عن شخصية الرئيس. وجاء السؤال الثاني أكثر حساسية: “هل أثرت ضغوط الحرب على صحة الرئيس؟”، وهو ما قد يكشف مؤشرات عن احتمالات فراغ السلطة.

ولم تكتفِ واشنطن بالقراءة السياسية العامة، بل سألت صراحة: “هل كانت هنالك محاولة لاغتيال الرئيس من طرف جبهة البوليساريو؟، وإن تم ذلك فمن سيكون خليفته؟”، وهو ما يكشف عمق القلق من سيناريو الفوضى في بلد حديث الاستقلال ويواجه خطر التفكك.

 

الديناميكيات القبلية والعرقية تحت المجهر

الاستطلاع لم يكتف بالشأن الرئاسي، بل غاص في قضايا المجتمع: هل ستنقسم موريتانيا على أساس عرقي؟، وهل أثّر نزاع الصحراء على العلاقة بين العرب والأفارقة؟ [لعله يقصد البيظان والزنوج]، وما هي نظرة الحراطين إلى الحرب، وإلى قبيلة الرقيبات؟، في محاولة لفهم التصدعات الداخلية التي قد تستغلها أي جهة معادية أو تشعلها أي أزمة قادمة.

وفي لفتة غريبة، سأل الأمريكيون: هل تعتبر قبيلة الرقيبات جزءًا من المجتمع الموريتاني؟، وما مدى صحة اعتقال أفراد منها أثناء غارة البوليساريو على نواكشوط؟، بل وأكثر من ذلك: كم يبلغ عدد أفراد قبيلة الرقيبات في العاصمة؟ وهل يشكلون خطرًا؟، وهو ما يشير إلى قراءة أمنية دقيقة، قد تكون استندت إلى معلومات استخباراتية أو مخاوف ميدانية.

 

السيدة الأولى… والمساعدات العربية

في سؤال يعكس الطابع الشخصي للسياسة، ورد في الاستطلاع: هل لزوجة الرئيس تأثير على قراراته أو على محيطه؟، وهي نقطة نادرًا ما تُطرح في الأوساط السياسية الموريتانية آنذاك. كما لم ينسَ الأمريكيون الجانب المالي: ما حجم المساعدات التي تحصل عليها موريتانيا من المغرب، والسعودية، والكويت؟، لفهم التوازنات الإقليمية التي تحرك البلاد.

يظهر من هذه الأسئلة أن الولايات المتحدة لم تكن تراقب فقط مسار حرب الصحراء، بل كانت تحاول فهم مآلات الأمور، وتتساءل: هل هذه الدولة الصاعدة ستبقى موحدة؟ وهل مؤسسها المختار ولد داداه ما يزال قادرًا على الإمساك بزمام الأمور؟

ربما لم تُنشر نتائج هذا الاستطلاع، وربما لم تعرفه وسائل الإعلام حينها، لكنه اليوم وبعد مرور عقود من الزمن، يعيد طرح عدة تساؤلات:
هل كان بالإمكان تجنب هذه الحرب؟ وماذا استفادت بلادنا منها؟ وهل أثرت على الانسجام القبلي داخل المكون العربي؟ وهل كانت إزاحة الرئيس المختار ولد داداه قرارا صائبا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى