اقتصاد

“واجهات عائلية”.. ما أسباب كثرة البنوك بموريتانيا وهل تلاحقها تهم دولية؟

 خضر عبد العزيز-نواكشوط

منذ فترة يتزايد الحديث والجدل حول عمليات فساد وغسيل الأموال وتهريب للمخدرات في موريتانيا. فيما يواصل الأمن  التحقيق مع شخصيات سياسية واجتماعية وتجار عملات يُشتبه في مشاركتهم في عمليات إثراء غير مشروعة.

وعند كل حادثة من هذا القبيل، تتجه في العادة أصابع الاتهام إلى القطاعات المصرفية من البنوك وهيئات  التمويل الصغرى ومؤسسات تحويل الأموال. وذلك لاعتبارها من أهم المحطات التي تدور فيها الأموال غير المشروعة في طريقها لدخول الدورة الاقتصادية.

ومن حين لآخر، يتكرر السؤال عن علاقة البنوك الموريتانية بهذه الظاهرة، في ظل اتهامات وشكوك حولها تصدر دوريا من مؤسسات محلية ودولية.

وتتشكك هذه المؤسسات في نزاهة القطاعات المصرفية بموريتانيا وتضع عليها علامات استفهام كثيرة.

وتبدو هذه الشكوك وكأنها مبررة في ظل وجود 17 بنكا خصوصيا وما يزيد على 300 فرع بنكي في البلاد. في حين لا يتجاوز عدد السكان 5 ملايين نسمة، ولا تتجاوز نسبة الشمول المالي 30%.

و لكن أغلب هذه البنوك يواجه مشكلة في التمويل، ويفتقد بعضها المعايير اللازمة للترخيص وتتلقى إنذارات من طرف البنك المركزي الموريتاني.

فوضى  ووقائع إجرامية

ويوصف القطاع المصرفي الخاص في موريتانيا بأنه حديث النشأة، إذ بدأ نشاطه أساسا في سبعينيات القرن الماضي. لكنه شهد طفرة فوضوية في العقدين الأخيرين.

وقد استقبلت الأسواق الموريتانية ما بين 2009 إلى 2016، ميلاد سبعة بنوك تم ترخيصها في فترات وجيزة ومتقاربة لرجال أعمال ونافذين مقربين من النظام السياسي حينها.

ومن بين هذه البنوك الجديدة التي لم تصمد طويلا “موريس بنك”، الذي سحب ترخيصه أواخر عام 2014. قبل أن يكمل عامه الثاني، إثر أزمة سيولة تعرض لها.

أما بنك موريتانيا الجديد NBM، فقد سحب اعتماده قبل أن يكمل عقده الأول منتصف يوليو 2024.

وأعلن البنك المركزي “أن زبائن “NBM” تعرضوا ” لوقائع إجرامية” و اختلست مليارات الأوقية من ودائعهم عن طريق ما وصفه بـ”خيانة الأمانة والتزوير واستخدام المزور”.

وسبق لموريتانيا أن تصدرت دول الشرق الأوسط في حجم غسل الأموال سنة 2022. فيما احتلت المركز 13 عالميا في المؤشر نفسه، حسب دراسة أصدرها “مركز زيتونة للدراسات والاستشارات ببيروت” منتصف عام 2023.

أما في عام 2019، فصنفت موريتانيا من طرف الولايات المتحدة كمنطقة لتبييض الأموال. ومازالت البنوك الموريتانية منذ ذلك الحين، تواجه صعوبات في التحويلات المالية للمناطق التي تعتمد الدولار.

بنوك غير آمنة

 وبحسب مراقبين اقتصاديين، تعتقد الولايات المتحدة بالفعل أن النظام المالي الموريتاني غير آمن من تبييض الأموال والتهرب. ويرجعون السبب وراء ذلك إلى قوة الاقتصاد غير الرسمي، وقوة السوق السوداء. في مقابل ضعف الآليات القانونية ووسائل مراقبة ومحاربة تبييض الأموال.

وحسب وثيقة سرية لصندوق النقد الدولي تداولتها وسائل الإعلام مؤخرا، فإن “ضعف وهشاشة القطاع المصرفي يساهم في زيادة فرص الفساد”.

ووفق الوثيقة، فإن هذا الظاهرة “تتفاقم بشكل أكبر بسبب التراخي في اعتماد معايير الكفاءة، والسمعة السليمة للمساهمين وأعضاء مجالس الإدارة والإدارات المركزية للبنوك. وكذلك ممارسات الشركات المشتبه بها”.

ووفقا لتقرير صاد عن البنك الدولي عام 2023، فإن الاقتصاد غير الرسمي الموريتاني يشكل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي.

خلل بنيوي

ويؤكد الخبير الاقتصادي سيد الخير عمر “أن بنوك موريتانيا بسبب الملاحظات الدولية عليها مازالت حتى الآن عاجزة عن أن تثبت جدارتها المصرفية على الساحة الدولية”.

ويضيف “حتى أن مجلة إفريقية مهتمة بالشأن الاقتصادي رصدت أربعين بنكا إفريقيا سجلت علامات نوعية وقفزات اقتصادية دولية لم تشتمل على بنك موريتاني واحد”.

وينبه في تصريح لموقع تحديث إلى أن البنوك الموريتانية لم تصل بعد إلى مرحلة الكفاءة والجدارة لتكون مصدرا للمعاملات التجارية المباشرة. وذلك نتيجة لضعف أنظمتها وسياستها في عدم الكشف عن حجم الأرقام وحجم سيولتها، و الذي يسمح بمعرفة وضعيتها الاقتصادية من طرف هيئات الرقابة الدولية.

ولم يربط الخبير الاقتصادي سيد الخير عمر كثرة البنوك الخصوصية ووضعيتها الحالية في موريتانيا بغسيل الأموال. لكنه قلل من مردوديتها على اقتصاد البلد.

ويوضح أن هذه البنوك “تشكل خللا بنيويا في الاقتصاد الموريتاني، ناتج عن تراكمات، منذ تحول الدولة المشوه في الثمانينات، من النظام الاشتراكي إلى النظام الليبرالي الانفتاحي”.

استقالة الدولة

في ذات السياق، يعتبر الخبير  عمر  أن الدولة تنازلت عن دورها الاقتصادي، لصالح فاعلين  مقربين من النظام، واستولوا على بنوك كانت الدولة قد أنشأها للإسكان والتجارة والصناعة وقطاعات اقتصادية أخرى.

ومنذ ذلك الحين، لم يفعّل النظام المصرفي بالطريقة الاقتصادية السليمة، بل تأسست امبراطوريات خاصة. تحصل على العملة الصعبة من البنك المركزي. وبقيت أموال طائلة خارج الدورة الاقتصادية للبلد لم توجه للاستثمارات و لا الابتكارات.

ووفق الخبير عمر، فإن هذه البنوك تلجأ دائما إلى الأعمال التجارية قصيرة المدى التي لها علاقة مباشرة بالملاك.

فيما تبتعد هذه البنوك عن مشاريع التصنيع والزراعة وتبني الابتكار ودعم رواد الأعمال والمشاريع التي تخلق قيمة مضافة في الاقتصاد.

ويلاحظ أن كل بنك صار يمثل جهة قبلية أو جهوية و مجموعة من المنتفعين اقتصاديا يسعون من خلال توظيف القوة الاقتصادية للبنوك إلى حجز موقع لهم داخل الخريطة السياسية. ولذلك توصف هذه البنوك دائما بأنها مؤسسات سياسية وليست اقتصادية.

محاولة للتدارك

ومن جانبه، اعترف البنك المركزي الموريتاني في تقريره المالي لسنة 2023 بأن البنوك الموريتانية الخاصة مازالت دون المستوى فيما يخص الاستجابة للمتطلبات الدولية.

وفي خطة لإصلاح القطاع المصرفي وتحسين السياسة النقدية للبلاد، قرر البنك المركزي الموريتاني، قبل فترة رفع مضاعفة الحد الأدنى لرأس المال المطلوب من البنوك الخاصة المرخصة في البلاد، إلى 20 مليار أوقية قديمة.

وسبق أن رفع البنك المركزي الموريتاني سقف الحد الأدنى لرأس مال البنوك الخاصة من 6 مليارات أوقية قديمة إلى 10 مليارات.

و في خطوة أخرى لمحاربة الاحتكار، حظر المركزي الموريتاني على البنوك الخاصة تقديم أي قروض مباشرة أو غير مباشرة للشركات المقربة أو التي يملكها مساهمون في هذه البنوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى