الرأي

النظام الإيراني الحالي: سرقة أمة في وضح النهار

أ. مهدي رضى / كاتب إيراني

إن ما يحدث للريال الإيراني اليوم ليس مجرد انهيار اقتصادي، بل هو أكبر عملية سرقة منظمة في تاريخ إيران الحديث. فتجاوز سعر الدولار حاجز المليون ريال ليس مجرد مؤشر مالي، بل هو إعلان حرب شاملة تشنها الدولة ضد جيوب مواطنيها. إنها اللحظة التي يتحول فيها البنك المركزي إلى لص، وتتحول فيها السياسة النقدية إلى أداة للنهب الممنهج. إن النظام لا يقف عاجزاً أمام هذا السقوط الحر للعملة، بل هو الذي يدير هذا السقوط ويستفيد منه بدم بارد. فكل ريال يفقد قيمته لا يتبخر في الهواء، بل ينتقل بشكل مباشر وغير مرئي من موائد العشاء الفارغة للعائلات الإيرانية إلى خزائن الحرس الثوري لتمويل آلة القمع في الداخل وشبكات الإرهاب في الخارج. هذه ليست أزمة اقتصادية، بل هي جريمة دولة مكتملة الأركان، جريمة تجعل من الحل السياسي الذي سيُطرح في السادس من سبتمبر في بروكسل ضرورة قصوى.

تفكيك آلية النهب: عندما تصبح “الأزمة” هي مصدر الدخل

لكي نفهم حجم هذه الجريمة، يجب أن نتجاوز المصطلحات الاقتصادية المعقدة. الأمر بسيط للغاية: النظام يخلق عمداً فجوة هائلة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق الحرة. هذه الفجوة هي “منجم ذهب” للمافيا الحاكمة. فالكيانات المرتبطة بالسلطة، من الحرس الثوري إلى المؤسسات الدينية، تحصل على الدولار بالسعر الرسمي الرخيص بحجة استيراد السلع الأساسية، ثم تبيعه في السوق الحرة بالسعر المليوني، محققة أرباحاً فلكية. وكما اعترف الخبير الاقتصادي إحسان سلطاني، فإن هذه ليست مجرد مضاربة، بل هي “إرادة متعمدة تسمح بالاستيلاء على الموارد العامة”. إنها خصخصة للفساد، وتحويل الدولة إلى عصابة مافيا.

والأكثر وقاحة هو أن النظام يستخدم هذه الأموال المسروقة من قوت الشعب لتغطية عجز ميزانيته وتمويل بقائه. إن رواتب القمعيين، ورصاصاتهم، وميزانيات وكلائهم في المنطقة، كلها تُمول من خلال تدمير مدخرات المواطنين. إنها حلقة شيطانية: كلما زاد قمع النظام، زادت حاجته للمال، وكلما زادت حاجته للمال، زاد من سرقة شعبه عبر تخفيض قيمة العملة، مما يؤدي إلى المزيد من الفقر والسخط، الذي يتطلب بدوره المزيد من القمع.

مسرحية “الحلول”: عندما يكتب اللص قانون مكافحة السرقة

لإخفاء هذه الحقيقة المرة، يلجأ النظام إلى مسرحيات هزلية مثل “قانون ضريبي لمكافحة المضاربة”. إنها مهزلة كاملة، فكيف يمكن للدولة التي هي أكبر مضارب أن تكافح المضاربة؟ وكيف يمكن معالجة التربح في اقتصاد لا يوجد فيه قطاع خاص حقيقي، بل هو محتكر بالكامل من قبل بضعة أفراد مرتبطين بالسلطة، كما هو الحال في سوق الشاي وعلف الماشية؟ إن هذه القوانين ليست سوى غبار يُذر في عيون الناس، ومحاولة يائسة لإيهامهم بأن هناك من يهتم بمعاناتهم. لكن الحقيقة، كما يعترف بها حتى بعض نواب النظام، هي أنهم عاجزون تماماً، لأن الأزمة هي مصدر بقائهم.

إذا كان النظام هو اللص، فمن هو القاضي؟

إن هذا الواقع المأساوي يضعنا أمام حقيقة لا يمكن الهروب منها: لا يمكن إصلاح هذا الاقتصاد دون تفكيك المافيا التي تسيطر عليه. ولا يمكن استعادة قيمة الريال دون استعادة سيادة الشعب على ثرواته. وهذا يعني أن الحل لا يمكن أن يكون اقتصادياً، بل يجب أن يكون سياسياً بالدرجة الأولى.

وهنا يأتي دور مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل كفعل سياسي حاسم. إنها ليست مجرد احتجاج على الغلاء، بل هي إعلان بأن الشعب الإيراني قد شخص الداء وعرف الدواء. الداء هو هذا النظام المافيوي، والدواء هو إسقاطه بالكامل. إن هذا التجمع العالمي هو المحكمة الشعبية التي ستصدر حكمها على لصوص طهران.

والأهم من ذلك، أنها ستقدم للعالم رؤية لاقتصاد بديل. رؤية تتجسد في خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط. هذه الخطة لا تقدم حلولاً سطحية، بل تدعو إلى تغيير جذري: اقتصاد سوق حر قائم على المنافسة والشفافية، واحترام الملكية الخاصة، وتكافؤ الفرص، وتوزيع عادل للثروة. إنها رؤية لدولة تحمي مدخرات مواطنيها بدلاً من سرقتها. الرسالة من بروكسل ستكون واضحة: إن استقرار الريال الإيراني لن يتحقق في البنك المركزي، بل سيتحقق في شوارع طهران عندما يقرر الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة استعادة بلادهم من هذه العصابة الحاكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى