المدرسة الجمهورية تستقبل عامها الجديد بغياب التلاميذ ومخاوف من تفشي الأوبئة
آخر تحديث: 08/10/2025 - 4:11 م
2 دقائق
في ثالث أيام العام الدراسي الجديد، بدت المدرسة الجمهورية – التي تُعدّ نموذجًا لتجسيد الرؤية التعليمية الجديدة في موريتانيا – شبه خالية من التلاميذ، في مشهد عكس واقعًا مربكًا يطبع انطلاقة الموسم الدراسي 2025-2026. ضعف الإقبال على التسجيل والحضور بدا السمة الأبرز، وسط أجواء من القلق العام بسبب الوضع الصحي الذي تعيشه البلاد جراء تفشي وباءي الدفتيريا وحمى الوادي المتصدع.
ورغم تأكيد الحكومة على جاهزية المؤسسات التعليمية وسيطرتها على الوضع الوبائي، إلا أن المشهد في الميدان بدا مغايرًا تمامًا. فعدد من أولياء الأمور فضّلوا التريث قبل إرسال أبنائهم إلى الفصول الدراسية، خشية العدوى أو بسبب تأخر جاهزية المدارس.
الأم عيشة بنت سيدي قالت إنها سجّلت أحد أبنائها فقط “احتياطًا”، مبررة موقفها بالوضع الصحي الراهن، ومعتبرة أن “تأجيل الافتتاح كان سيكون أكثر واقعية، خصوصًا في ظل تسجيل إصابات متزايدة وعدم اكتمال الاستعدادات في بعض المدارس”.
أما التلميذ يسلم محمد فأكد أن أشغال الترميم في مدرسته لم تنته بعد، مشيرًا إلى أن أغلب زملائه “ما زالوا ينتظرون اكتمال الإصلاحات، أو يشعرون بالخوف من العودة وسط الحديث المتواصل عن الأوبئة”.
من جهته، أوضح المعلم نذير ولد محفوظ أن مدرسته استقبلت “أعدادًا محدودة جدًا من التلاميذ”، وإن كان اليوم الثاني “أوفر حظًا قليلًا من سابقه”. وأكدت المعلمة زينب بنت العيدي بدورها أن “ضعف الإقبال لا يقتصر على الحضور، بل حتى التسجيل تراجع هذا العام بشكل لافت”، وهو ما أكدته كذلك المعلمة في مدرسة أبي بن كعب، أم الخير بنت حمدا.
في المقابل، ترى الناشطة في رابطة آباء التلاميذ محبوبة بنت محمذن أن “الجمود المسجّل في نواكشوط مردّه إلى أن الكثير من التلاميذ لم يعودوا بعد من الداخل، إضافة إلى أن الدعوة لتأجيل الافتتاح في بعض الولايات جعلت البعض يظن أن التأجيل يشمل البلاد كلها”.
المدارس الخصوصية لم تكن أفضل حالًا. فبرغم الحملات الدعائية التي سبقت الافتتاح، فإن الإقبال ظل دون المتوقع. يقول المعلم محمد الأمين ولد عمارو، من مدرسة خصوصية بحي كرفور بعرفات: “لم يسبق أن شهدنا مثل هذا الضعف في التسجيل، حتى أن بعض الأقسام لم تُفتح بعد لقلّة التلاميذ”..
أما ولي الأمر سيدي ولد عبد الله، يقول ان ابنه لم يلتحق بالدراسة بعد ، لأن المدرسة الخاصة التي يدرس لم تكمل استعداداتها للعام الجديد ،
ويضيف ان مدير المدرسة الواقعة في الزعطر فاجأه بالقول ان الدراسة الفعلية لن تبدأ غالبا قبل منتصف الشهر ،
ونقل عن المدير قوله انه سيطلع أولياء الأمور عبر واتس اب على موعد انتظام الدرسة .
الأرقام الرسمية تُظهر أن التعليم العمومي يضم نحو 3,676 مدرسة ابتدائية تستقبل 750 ألف تلميذ بإشراف 16 ألف معلّم، إضافة إلى 392 مؤسسة ثانوية تضم 200 ألف تلميذ. أما التعليم الخصوصي فيبلغ عدد مدارسه 998، بينها 736 ابتدائية، تستقبل أكثر من 67 ألف تلميذ.
ورغم هذه البنية الواسعة، يرى مراقبون أن ضعف الإقبال هذا العام يعكس أزمة ثقة مؤقتة بين الأسرة والقطاع التربوي، بسبب تداخل المخاوف الصحية مع مشكلات البنية التحتية، فضلا عن تزايد دعوات الوكلاء إلى إعادة النظر في قرار فرض التعليم النظامي في المرحلة الابتدائية، ومحاولاتهم الضغط على الحكومة للتراجع عن هذا القرار الذي أربك تعليم أبنائهم على حد قول بعضهم..
إلى جانب المخاوف من الأوبئة، اشتكى عدد من أولياء الأمور من ارتفاع أسعار الزي المدرسي الإلزامي ومضاربات الأسواق، مؤكدين أن الدفعات المدعومة من الدولة “لم تصل بعدُ إلى المتاجر”.
ورغم كل هذه التحديات، تؤكد وزارة التربية أن “العام الدراسي انطلق فعليًا في موعده المحدد، وأن الحكومة وفرت الظروف الصحية واللوجستية لانطلاقة آمنة”. وتشير إلى أن إصلاحات كبرى يشهدها القطاع، من بينها فتح تدريس اللغات الوطنية، واكتتاب آلاف المدرسين، وإنشاء صندوق سكن خاص بهم، وإطلاق المنصة الرقمية “سراج” لتسهيل التسجيل والمتابعة، علاوة على تجهيز وتوسعة عشرات المؤسسات التعليمية لرفع القدرة الاستيعابية للمدرسة الجمهورية.
هكذا إذن، يواجه العام الدراسي الجديد في موريتانيا بدايات مرتبكة بين تفشي الأوبئة وتأخر الاستعدادات وغلاء المستلزمات، فيما تبقى الآمال معلّقة على أن تعود الفصول للازدحام قريبًا، وأن يستعيد التعليم عافيته بعد عام يبدو أنه بدأ تحت سحابة من القلق.