يقال إن الأضبط بن قريع السعدي كان يرى من قومه (وهو سيدهم) بغيا عليه وتنقصا له، ففارقهم ونزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص والبغي عليه، فارتحل عنهم وحلّ بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك قال: ما أرى الناس إلا قريبا بعضهم من بعض، وعاد إلى قومه وقال: “أينما أوجِّه ألق سعدا” فأرسلها مثلا. ويروى “في كل واد بنو سعد”.
مع أني لا أدعي زعامة في قومي ولا في غيرهم، فإن المثلين يصدقان علي مع السادة الباعة أنى توجهت، وهنا مثال من المشهد الأخير حتى الآن.
في ترحالي إلى دكار دأبت منذ سنوات على النزول في بناية معدة للإيجار رأيتها ملائمة للموريتانيين، وفي طابقها الأرضي متجر لبني وطني، كنت في أول الأمر أشتري منه وأدفع النقد وآخذ ما يعاد إلي دون تدقيق ولا استحضار غش أو اختلاس، لكن الريبة بدأت تفرض نفسها، فلما انتبهت وجدت أحد العاملين (على الأقل) يأخذ مني أكثر من ثمن بضاعته بنسبة غير ثابتة متوسطها 25 %. وقد لا تكون حاجتي متوفرة لدى المتجر المذكور فأتجاوز إلى محل يعمل فيه غينيون (فيما أظن) فيبيعونني دون غش! لكني وجدت حرجا في تجاوز بني جلدتي وفي مناقشتهم عن الحقير.
استمر الحال هكذا حتى سبتمبر الماضي حين اصطحبت بعض العيال إلى هناك ولم يلائمهم بعض ما هناك فاختاروا خدمة أنفسهم فكنت رسولهم في كل صغيرة وكبيرة؛ لذا كثر ترددي على السوق وعلى المتجر بالأحرى، فاقتضى الحال يوما تنبيه أحد أبطال المتجر، فآل الأمر إلى أن ذكرت له أن غلطهم يكثر لصالح أنفسهم، وبعد نقاش بينت له صدقي مستدلا بالمعاملة الحالية، فزعم أني خلطت الأمر عليه حتى أخطأ، وبعدها قَلَّل من غشي دون أن يقلع عنه.
حدث هذا أواخر أيامي هناك، وحين حان ارتحالنا ودعني أحد أصحاب المتجر مضيفا: “اسمحوا لنا” فأجبته دون مبالاة: “لا أعطاه لكم باس” فأضاف: “لعل انعودو ڭط وَعَّرنا اعليكم ولل شي”.
كان من السهل أن أقول له إن المشكلة ليست في رفع السعر، وإنما فيما لا يرضاه ذو دين أو خلق من الغش والاختلاس، لكني رأيت الأمر أحقر من النقاش فأمسكت عن الكلام وأنا أعجب من هذا الاتفاق الغريب بين معظم الباعة على غشي واستغبائي داخل البلاد وخارجها، مع أني لم أتظاهر قط بالغباء، وعملت وڭافا في مطلع شبابي، وملكت متجرا مدة من حياتي، وسيارة أجرة مدة أخرى (لا أعاد الله مثلها) وأستسهل ما يوصف بالتعقيدات الحسابية في علم الفرائض، بفضل الله وحده!
(من صفحة الأديب و الصحفي محمدو سالم ابن جدو)