الحكومة الجديدة: توليفة من رجال القرن الماضي وأبناء الوزراء السابقين
بعد أشهر من الترقب والتخمينات، أعلنت الرئاسة الموريتانية عن أول تعديل جزئي على حكومة الوزير الأول المختار ولد اجاي الذي تم تعيينه في المنصب قادما من إدارة ديوان رئيس الجمهورية بداية أغسطس/آب 2024.
جاء التعديل على حكومة ولد اجاي بعد سنة واحدة من تشكيلها، الأمر الذي يعني أن الخيارات التي طرحت في البداية لم تكن مدروسة بالشكل الكافي.
ورغم أن هذا التعديل تم تداوله في الأوساط السياسية منذ أشهر عديدة، إلا أنه لم يكن بالمستوى الذي كان يتوقعه الشارع الموريتاني، بل حمل مفاجآت على مستوى الشخوص التي تم دخولها، وتلك التي تم تحويلها أو تدوريها في مناصب أخرى.
وأثار التعديل الجديد الكثير من التساؤلات حول توقيته، ودوافعه وخلفياته.
وفي ما يلي سنعطي إضاءة حول هذه التعديل، تسلط الضوء على الملامح العامة للحكومة، وتقدم معلومات حول من دخلوا أو غادروا.
وزراء من القرن الماضي..ملامح عامة للحكومة
من خلال السير الذاتية لأعضاء حكومة ولد اجاي، يلاحظ أن أغلب أعضاء الحكومة سبق وأن شغلوا مناصب وزراية قبل 30 عاما أو 20، أو من أبناء وزراء سابقين شاركوا في تسيير البلاد منذ مرحلة ما بعد الاستقلال.
ومن أشهر أعضاء الحكومة الحالية الذين شغلوا مناصب وزارية في حكومات سابقة، وزير الخارجية الدكتور محمد سالم ولد مرزوك الذي كان وزيرا للتجهيز والنقل في القرن الماضي وبالتحديد في سنة 1997.
ومثل ولد مرزوك، محمد محمود ولد الشيخ عبد الله ولد بيه الوزير المستشار في الرئاسة الذي كان عضوا في الحكومة أيام الرئيس العقيد ولد الطايع حيث شغل حينها منصب وزير محو الأمية في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2003.
ويضاف للوزير عدد كبير من الوزراء الحاليين، حيث شغل معظمهم مناصب وزارية في عهد حكومات سابقة اتهم النظام الحالي عهدها بالفساد، مثل فترة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
ومن هؤلاء الوزراء: الناها بنت مكناس، ووزير الداخلية ولد احويرثي، والدكتور مولاي ولد محمد الأقظف، والوزيرة آمال بنت مولود.
فكل هؤلاء الأسماء أعضاء في حكومات سابقة، ولم يستطع النظام الجديد أن يتخلّى عنهم رغم أنه اتهم الرئيس السابق الذين عملوا معه بتبديد موارد الدولة والإثراء غير المشروع، وشكل لجنة برلمانية في بداية مأمورية الرئيس الأولى للتنقيب عن ملفاته.
وبالإضافة إلى أن ظاهرة إعادة التوزير، أو ما يسمى بالتدوير بين المناصب سمة عامة للحكومة الحالية، فإن توزير أبناء الوزراء السابقين أصبح من المظاهر البارزة في هذه الحكومة.
وتضم التشكيلة الحالية عددا من أبناء الوزراء في العهود السابقة، مثل الناها بنت مكناس، وآمال بنت مولود، ومريم بنت بيجل، والدكتور يعقوب ولد امين، وولد بوسيف، ومحمد محمود ولد عبد الله ولد بيه، ومسعودة بنت بحام.
فكل واحد من هذه الأسماء ابن لوزير سابق تولّى فترة من عمر الدولة الموريتانية تسيير مرافق حيوية وهامة.
فالسيدة الناها بنت مكناس كان أبوها حمدي ولد مكناس وزيرا للخارجية 1968، ووزيرا للدفاع عام 1970، وذلك في عهد الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، وشغل حينها مناصب عديدة من ضمنها المفوض السامي للشباب.
كما أن وزير التعليم العالي الدكتور يعقوب ولد امين ابن للسيد عبد الرحمن ولد امين الذي شغل العديد من الوزراية في عهد الرئيس الأسبق العقيد معاوية ولد اطايع، ومن أهم الوزارات التي تقلدها وزارة الخارجية.
والسيد آمال منت مولود، أبوها مولود ولد سيدي عبد الله كان وزيرا وسفيرا في عهد ولد الطايع، ومحمد محمود ولد بيه كان وزيرا في عهد ولد الطائع، وقبله أبوه كان وزيرا في فترة الرئيس المؤسس ولد داداه.
ومن ضمن الوزراء في الحكومة الحالية، الذين ورثوا المناصب مسعودة بنت بحام، فوالدها بحام ولد محمد لقظف تقلب في مناصب وزراية عديدة عديدة في عهد الرئيس المؤسس ولد داداه، من بينها منصب وزير الصحة 1966.
ومثل مسعودة، مريم بنت بيجل، إذ كان والدها وزيرا للمالية في عهد الرئيس الأسبق ولد الطائع، وشغل منصب نائب رئيس البرلمان في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وعلى العموم، يشكل الوزراء السابقون وأبناء الوزراء أكثر من 80% من أعضاء الحكومة الحالية.
ترضية رؤساء أحزاب الأغلبية
ومن السمات العامة للحكومة الحالية، أنها أسندت 3 حقائب وزارية إلى 3 رؤساء أحزاب سياسية من الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
فقد تم توزير سيد أحمد ولد محمد رئيس حزب الإنصاف، والدكتور يعقوب ولد امين رئيس حزب التحالف الوطني الديمقراطي، والناها بنت مكناس رئيسة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، وهي أول امرأة في العالم العربي تتولى حقيبة وزارة الخارجية، حيث تم تعيينها في ذلك المنصب في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
واللافت للانتباه أن أحزاب الأغلبية التي تم إشراكها، لم يدخل في الحكومة من يمثلها سوى رؤسائها، بل يشاع في الأوساط السياسية الموريتانية أن أحد الأحزاب طُلب منه تقديم أحد كوادر الحزب ليمثله في الحكومة فامتنعت رئاسة الحزب عن ذلك.
معلومات عن الوزراء المغادرين
1 – محمد محمود ولد بيه
توزّر قبل أكثر من 20 عاما، وكان أبوه وزيرا في عهد أول رئيس لموريتانيا.
و خرج ولد بيه من الحكومة العاملة تحت تنسيق ولد اجاي، ولكنه دخل إلى القصر الرئاسي بوصفه وزيرا مستشارا.
يشاع في الأوساط السياسة أنه على خلاف حاد مع الوزير الأول، وأن خروجه بداية للتخلص من الوزراء الذين لا يتغيرون ( العدل الدفاع الداخلية الخارجية)، ويقول الوسط القضائي إنه وصل إلى طريق مسدود مع القضاة.
2 – سيدي يحي شيخنا لمرابط
شغل منصب وزير الشؤون الإسلامية لمدة سنة، وبالتزامن مع فترة الحج الماضي، أرسلت المفتشية العامة للدولة بعثة إلى قطاعه، وخاصة للبحث عن صفقات الحج، وسلمته المفتشية تقريرها ليرد عليه، إذ اتهمت القطاع بالكثير من الخروقات.
ووفقا لمعلومات خاصة حصل عليها موقع تحديث، فإن الملف أحيل لشرطة الجرائم الاقتصادية، ويتوقع أن تشهد الوزارة إقالات واسعة في الأسابيع القادمة.
وربما يكون ولد شيخنا لمرابط الوزير الوحيد الذي لم تتح له فرصة إجراء تغييرات في قطاعه من خلال مجلس الوزراء، وكان يقول لخواصه إنه سيجري تعيينات واسعة في شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.
3 – محمد عبد الله ولد وديه
شغل منصب وزير الصحة لسنة واحدة، وأعلن عن حملة لمحاربة الأدوية المزورة، لكنه خرج بصورة مفاجئة.
وعلى الصعيد السياسي والاجتماعي، لا يعتبر الوزير ولد وديه من أهل السياسة، ولم يظهر كفاعل له قاعدة شعبية انتخابية.
وعلى صعيد التوازنات القبلية، تم استبداله بالخبير الاقتصادي عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا، فهما من نفس المحيط الجغرافي والاجتماعي.
4 – المختار كاكيه
غادر الحكومة بعد أن دخلها لمدة سنة، وسبق أن شغل مدير عام للشركة الوطنية لمنتجات الألبان لمدة سنة.
خرج ولد كاكيه من التشكيلة بشكل مفاجئ، وتم استبداله في إطار التوازنات القبيلة بمريم منت بيجل ولد هميد.
5 – امم ولد بيباته
خرج من التشكيلة بعد أن شغل منصب وزير الزراعة والسيادة الغذائية، وجاءت مغادرته بعد أن أثبت الواقع أن البلاد لم يتحقق فيها على أرض الواقع التزام الرئيس بتطوير المجال الزراعي وخلق سيادة غذائية للبلاد تغنيها عن التوريد من الخارج.
وعلى صعيد التوزانات القبلية، تم استبداله بوزير الصحة ولد اعل محمود الذي ينتمي لنفس المحيط الاجتماعي.
الوجوه الجديدة في حكومة ولد اجاي
وفي السياق، دخل 5 وزراء إلى التشكيلة الحكومية، وكان 3 منهم قد تقلدوا مناصب وزارية في فترات سابقة.
والوزراء الخمسة الذين دخلوا هم :
1 – الناها بنت مكناس
دخلت الحكومة لتمثيل حزبها في الأغلبية، بعد أن خرجت من الوزراة سنة واحدة.
بنت مكناس وزيرة سابقة وبنت وزير أسبق، ومنذ نهاية القرن الماضي وهي في القصر الرئاسي، إذ تم تعيينها مستشارة في الرئاسة عام 1999.
2 – عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا
ولد الشيخ سيديا وزير سابق، شغل منصب وزير المالية في عهد المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية 2005 – 2007.
وهو واحد من أبرز رجال الاقتصاد في الخليج العربي، ويتمتع بعلاقات واسعة مع الممولين الأجانب.
تم استدعاؤه سابقا من الكويت، وشاع حينها أنه سيكون وزيرا أولا، لكن تم تعيينه على الصندوق الوطني للضمان الصحي، وبقي فيه حى أحيل للتقاعد.
ويعتبر تعيين ولد الشيخ سيديا، تعويضا لخروج وزير الصحة عبد الله ولد وديه لكونهما من نفس المحيط الاجتماعي.
3 – سيد أحمد ولد محمد
وزير سابق، وشغل مناصب وزارية متعددة في مأمورية ولد الغزواني الأولى، قبل أن يخرج من الحكومة قبل سنة ويتولى رئاسة حزب الإنصاف.
ويأتي تعيينه في ظل شائعات تقول إن الحزب الحاكم سيكلف بقيادته الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيد بيه.
4 – مريم بنت بيجل
ابنة الوزير السابق في عهد ولد الطايع بيجل ولد هميد، وكانت محاسبة في السفارة الموريتانية في نيويورك.
عمليا، لا علاقة لها بالعمل الحكومي وتسيير الأشخاص، لكنها من وسط له جذور في المناصب.
يقرأ من توقيت تعيينها، أنه ترضية لوالدها الذي ظهر قبل أسابيع يثني على المعارض بيرام الداه اعبيد، كما تحدث عن من سيخلف الرئيس ولد الغزواني.
5 – محمد محمود ولد اعل محمود
أقاله وزير الصحة السابق ولد وديه من منصب كمدير الصحة العمومية، وبعد تهميشه، تم تعيينه في مكان الوزير الذي أقاله.
وعلى الصعيد الاجتماعي والتوازنات، يعتبر تعيين ولد اعل محمود بديلا لخروج امم ولد بيباته، إذ إنهما من نفس المحيط.
ما غاب عن التعديل
يلاحظ من التعديل الأخير، أنه لم يدخل وجوها شبابية وفقا لما التزم به به الرئيس في حملته الأخيرة بأن هذه المأمورية ستكون للشباب وبالشباب.
كما غاب عن التعديل، دخول الشخصيات المحسوبة على التكنوقراط، إذ إن جميع الوزراء الذين دخلوا جاؤوا نتيجة لتوازنات سياسية واجتماعية.
أما الوزراء الذين تبادلوا في المناصب، فيغلب عليهم عدم التخصص والإلمام بالقطاعات التي تولوا تسييرها، فقد أرسل لوزراة الشؤون الإسلامية وزير كان على الصيد، وهو واحد من أطر البحرية التجارية.
وتولى حقيبة الزراعة خبير اقتصادي كان يشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية.