في السنوات الأخيرة، كثر الحديث عن العملات المشفرة في كافة دول العالم، وأصبحنا نسمع أسماء مثل بيتكوين، وإيثريوم، ودوغ كوين وكأنها بدائل جديدة للنقود التي في جيوبنا. لا وجود مادي هذه العملات، فهي ليست أوراقاً أو قطعاً معدنية، بل هي رموز رقمية تُتداول عبر الإنترنت، وتعتمد على تكنولوجيا تسمى البلوكشين أو “سلسلة الكتل”. هذه التقنية أشبه بدفتر حسابات عالمي مفتوح يسجل كل عملية شراء أو بيع بدقة وشفافية، بحيث لا يمكن التلاعب به بسهولة.
لكن قبل أن نبدأ بالاستثمار في العملات المشفرة، من الضروري أن نفهم طبيعتها وأنواع الشبكات التي تقوم عليها، ثم نطرح السؤال: هل هي فرصة أم فخ؟
أولاً، يجب أن نفهم أن العملات المشفرة تعمل ضمن نوعين من الشبكات:
الشبكات المركزية: وهي الأنظمة التي يتحكم فيها طرف واحد أو جهة معينة، مثل البنوك أو شركات الدفع الإلكتروني (باي بال مثلاً). في هذا النظام، لديك ثقة في مؤسسة محددة تدير عملياتك وتضمن أموالك. وتعتبر هذه الجهة قادرة على التدخل إذا وقع خطأ، أو حتى إرجاع مبلغ سُرق من بطاقتك البنكية.
الشبكات اللامركزية: وهنا بيت القصيد، فهي التي تقوم عليها معظم العملات المشفرة. وفي هذا النوع، لا توجد سلطة واحدة تتحكم في النظام، بل تعتمد على آلاف الحواسيب الموزعة حول العالم. وهو ما يجعل التلاعب أمرا مستحيلا، لكن في المقابل يتركك وحدك في مواجهة المخاطر: فإذا فقدت كلمة المرور لمحفظتك الرقمية فلن يستطيع أحد مساعدتك، وإذا وقعت في عملية احتيال فلن يكون هناك بنك أو جهة لتقديم شكوى عندها.
قد يبدو الأمر مغرياً، خصوصاً مع قصص النجاح التي تُروى عن أشخاص اشتروا بيتكوين قبل سنوات بثمن زهيد، فأصبحوا اليوم من الأثرياء. غير أن الوجه الآخر للقصة مليء بالمخاطر، ومن بينها:
التقلب الكبير في السعر بحيث أن سعر العملة المشفرة يمكن أن يرتفع كثيرا خلال ثوان والعكس صحيح، مثلا، قد يرتفع اليوم بنسبة 50% ثم ينهار غداً بنسبة 70%.
الاحتيال والسرقة: كثير من المواقع والمنصات تستغل جهل الشباب لتبيع لهم “أوهام الربح السريع”، فيخسرون مدخراتهم.
غياب الضمانات القانونية: في موريتانيا ومعظم الدول، لا توجد قوانين تحمي المستثمرين في العملات المشفرة. فإذا خسرت، فلن تجد جهة تنصفك.
الاستخدامات غير المشروعة: بعض العصابات تستغل هذه العملات في تبييض الأموال أو تمويل أنشطة محظورة، وهو ما قد يضع من يتعامل بها في دائرة شبهات دون أن يشعر.
الشباب الموريتاني اليوم يعيش في عالم مفتوح على التكنولوجيا، ومع انتشار الإنترنت والهواتف الذكية أصبح الوصول إلى منصات العملات المشفرة أسهل من شرب كأس شاي. وهنا تكمن الخطورة:
كثيرون يدخلون هذا العالم بدافع الفضول أو الطمع، دون معرفة كافية أو استشارة أهل الخبرة.
من المهم أن ندرك أن العملات المشفرة ليست شراً مطلقاً، لكنها سلاح ذو حدين. يمكن أن تكون وسيلة للتطور المالي إذا استُعملت بوعي، ويمكن أن تتحول إلى كارثة إذا دخلها الإنسان بجهل أو اندفاع. يمكن القول بأنها بحر لا ساحل له ومن لا يعرف دهاليزها قد يغرق في أول موجة.
رسالتي للشباب الموريتاني: لا تنخدعوا ببريق الربح السريع، وابحثوا وتسلحوا بالعلم والمعرفة. اجعلوا عقولكم تسبق عواطفكم، فالمعرفة هي السلاح الأقوى في مواجهة المخاطر.