الرأي

لنرتقِ بحديثنا

محمد يحيى محمد الأمين الداه

مع انتشار التفاهات والمظاهر السطحية داخل المجتمع، والتي لم تُوجد لها حلول فعّالة للتعامل معها أو للحد منها، لوحظ بشكل كبير شيوع الأحاديث التي تفتقر إلى العمق والفائدة بين الأفراد والمجموعات، مما يعكس حاجة ملحّة لتعزيز ثقافة الحديث اللبق والحوار البنّاء.

فقد أصبحت معظم الحوارات تفتقد إلى الجدية والنضج، وغدا حديث الكبار والمتوسطين في العمر فارغًا من المعنى والمبنى، وبحاجة إلى ترميم عقلي يُعاد فيه الاعتبار للمعنى.

كما أصبح كلام بعض النخب والمشهورين لغوًا يفتقر إلى الجدية، وحينما يتحدثون يتأكد المرء مباشرة من أنهم إما يعانون خللًا أو يفتقدون للاتزان، حتى صار الجميع يشترك مع الصغار في العجز عن التمييز والوقوع في السطحية.

وباعتبار أن هذه العادة دخيلة، ولم تكن موجودة في مجتمعاتنا المحافظة، التي كان قوامها الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية النبيلة، فإنها تمثل مظهرًا جديدًا من مظاهر التراجع الثقافي.

كما لم تكن هذه الظاهرة معروفة عند الأمم السابقة، بما فيها العرب، إذ كان الأوائل إذا اجتمعوا تجنّبوا الكلام الفارغ، وانصبت أحاديثهم حول البطولة والشجاعة والأبطال، ومجارات أشعارهم وتقليدهم.

وفي عصر الإسلام، كان شباب المدينة يتحدثون في القرآن والحديث والفقه والفتوحات الإسلامية ومستقبل الدولة، وكان همهم الأكبر تقليد القادة والعلماء والمفكرين.

أما في مجتمعنا الموريتاني، فقد كان الكلام عند الأوائل مرآةً للشخص، يعكس نضجه وعمقه ومعناه، ويدل على قيمة قائله. واليوم، وإن انتشرت السلبيات، بما في ذلك السطحية في الكلام الناجمة عن غياب النضج، فإن الواجب يفرض علينا أن نغيّر واقعنا، وأن نواجه هذا الاختلال الاجتماعي والانحطاط الثقافي الذي لا تُحمد عقباه.

وحين نعزم على التغيير، علينا أن نبدأ من المنزل، باعتباره المصدر الأول لحياتنا اليومية، ولكل ما يصدر عنا من أفعال وأقوال.

ولمعالجة هذه المشاكل الشائكة، ينبغي أن ننقّي ألفاظنا ونختار أجملها وأرقاها، وأن نتحدث بكل وضوح ورقي، بتأنٍ وهدوء.

فحديثنا يعبر عنا كأشخاص ناضجين، ويكشف عن ثقافتنا، وتعليمنا، وأخلاقنا، وتربيتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى