هل ينجح العرب في استغلال الفرصة التي منحتهم قطر؟
حبيب الله مايابى
في خطوة مفاجئة وخارجة عن المألوف، قام الاحتلال الإسرائيلي بتوجيه ضربة لمقرات سكنية في العاصمة القطرية الدوحة، كانت تستهدف قادة مفاوضين من حركة حماس.
غير أن هذه الضربة فشلت في تحقيق هدفها، وخسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الملاحق دوليا بتهم بجرائم جرائم الحرب والإبادة الجماعية- فرصة راهن عليها في تقوية رصيده السياسي المتآكل بسبب الهزائم التي مني بها في غزة. حيث عجز عن تحقيق كل تعهداته: لم يقض على حماس، ولم يتمكن من استعادة الأسرى.
في المقابل، فإن هذه الضربة الفاشلة، جلبت لقطر منافع كبيرة جدا بالحسابات السياسية. إذ وقف العالم كله مستنكرا ومدينا للفعل المتهور الذي قامت به حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
على المستوى العالمي، برهنت قطر على مكانتها السياسية كدولة تنشط في تسوية النزاعات والحروب وتبذل جهودا حثيثة لصناعة السلام في مشارق الأرض ومغاربها.
وكانت هذه اللحظة مناسبة ليقوم العالم برد الجميل الانضمام. وربما لأول مرة يحصل إجماع عالمي على التضامن مع دولة وإدانة هجوم تتعرض له.
ومن الرياض وأبوظبي، ومن داخل البيت الأبيض، و داونينغ ستريت، وقصر الإليزيه، ومن مقر مجلس الأمن الدولي، ارتفعت أصوات التضامن مع الدوحة، واعتبرت المساس بأمنها وسيادتها تهديدا للأمن الإقليمي، وخطر على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ينظر إلى دولة قطر في الوسط الدبلوماسي الدولي على أنها مركز لتسوية النزاعات عبر جهود الوساطة التي تنطلق من الحوار وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة.
ولم يكتف مجلس الأمن الدولي بإدانته لإسرائيل، وإنما أشاد بمساهمات قطر في إحلال السلام.
ولأول مرة يتابع العالم كلمات لأعضاء مجلس الأمن الدولي كلها تصب في اتجاه واحد: التضامن مع قطر واستنكار الاعتداء عليها، والإشادة بمكانها في صنع السلام والاستقرار.
ونظرا لما قامت به من الوساطات الناجحة في عديد من المسائل الدولية، أصبحت جزءا من حل النزاع، وليست طرفا في الصراع، إذ نالت ثقة كل الأطراف التي دخلت معها في وساطات.
وكانت قطر ،برمت صفقات سلام كثيرة طيلة العقود الماضية، مثل التسوية بين أفغانستان والولايات المتحدة واتفاق تبادل الأسرى بين أمريكا وفنزويلا، وكذلك بين روسيا وأوكرانيا ، إلى جانب تمكنها من إبرام تسويات كثيرة في دول أفريقية مثل مالي والكونغو الديمقراطية.
وبفضل الوساطة القطرية، توصلت إسرائيل وحماس إلى هدنة مؤقتة في 2023، حصل بموجبها تبادل أسرى بين الطرفين.
والملفت للانتباه في الهجوم الإسرائيلي على الدوحة هو أنه حرب على الوساطة وجهود السلام، حيث جاء في وقت تناقش فيه الدوحة مع الأطراف المعنية خطة لإنهاء الحرب وتخليص السجناء. الأمر الذي اعتبره بعض المحللين الإسرائيليين تهورا وقرارا شخصيا من رئيس الوزراء نتنياهو الذي أصبح يبحث عن الشرعية داخل الأوساط السياسية في إسرائيل.
ويتجلى وضوح منطق التهور في قرار الهجوم، أنه اتخذ بشكل أحادي ولم يكن رغبة مشتركة من الجميع، هو أن جهاز الموساد لم يشارك فيه، وإنما تم تنفيذه بتنسيق بين الجيش ومكتب رئيس الوزراء.
وعلى المستوى العربي، كرس الهجوم الإسرائيلي مكانة قطر كدولة مناصرة للقضية الفلسطينية.
لقد استشهد قطري في الهجوم الإسرائيلي وجرح آخرون. في دلالة على وحدة الدم والمصير العربي.
في انتظار الرد العربي
لقد أكدت الدول العربية والإسلامية رفضها للعدوان وقرر القادة التوجه للدوحة حيث سيأتمرون يومي الأحد والاثنين.
ولن تطلب قطر من المشاركين الرد بطريقة معينة، بل ستترك للقادة خياراتهم لبحث ما يرونه مناسبا وفقا لما قاله رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لشبكة C N N الأميركية.
وهنا يبقى الأمر في يد قادة الدول العربية والإسلامية لاتخاذ الذي يرونه مناسبا، وقد لا يخرج عن واحد من خيارين.
أولا: اتخاذ قرار بمعاقبة إسرائيل، حيث تقطع معها الدول المطبعة العلاقات وتعلق معها التعاون والتبادل التجاري، وهذا الخيار سيزيد من عزلتها في المجتمع الدولي، وقد يدفعها إلى إنهاء الحرب على غزة.
ونظرا لعزلة إسرائيل العالمية وارتفاع الأصوات الغاضبة منها في الغرب وأوروبا، فإن هذا الخيار لن يكون مكلفا سياسيا للعرب.
ولعل إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي على التضامن مع قطر، إشارة بأن إسرائيل لم تعد بتلك الأهمية في الغرب. وعلى العرب التقاط هذه الإشارة والتصرف بحزم.
ثانيا: الاكتفاء بخيار الإدانة والتنديد، وهذا يعني الفشل العربي في استغلال الفرضة، وسيشجع إسرائيل على ضرب دولة عربية أخرى في أقرب فرضة.