الأسماء مرايا الهوية، لماذا نسيء اختيارها في بلادنا؟
محمد محمود الشيباني
آخر تحديث: 27/08/2025 - 2:40 م
2 دقائق
منذ القدم، كان للاسم في الثقافة العربية والإسلامية مكانة رفيعة، فهو ليس مجرد أداة للتعريف، بل مرآة للهوية ورمز للقيم والمعاني التي يتشبث بها المجتمع. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فحسّنوا أسماءكم»، وهو توجيه واضح بأن الاسم ليس تفصيلاً عابرًا، بل مسؤولية شرعية وثقافية.
لكن المتأمل في واقعنا الموريتاني يلحظ أن مسألة التسمية لا تنال حظها من الاهتمام، بل تبدو وكأنها خاضعة للصدفة أو للأعراف المحلية أكثر من كونها فعلًا واعيًا يعبّر عن الانتماء والهوية. فكثير من الأسماء الشائعة بيننا تفتقر إلى أي معنى لغوي راسخ، أو جاءت من ألقاب اعتدنا ترديدها مثل “سيدي” و”ماما” و”الشيخ”، حتى تحولت إلى أسماء قائمة بذاتها. وهناك أسماء مركبة تُربك السجلات الرسمية، وأخرى ذات أصول عربية أصيلة لكننا شوّهناها بنطق أعجمي مثل “عيشتو” بدل “عائشة”، أو “أعلي” بدل “علي”.
الأمر لا يتوقف عند حدود النطق، بل يمتد إلى أخطاء خطيرة، مثل “عبد الله” التي يكتبها الكثيرون “عبد ال”، وهو شكل غير جائز لا لغويًا ولا دينيًا، لكنه متداول بسبب غياب الرقابة والتدقيق. بعض هذه الأخطاء تنتقل لاحقًا إلى الوثائق الرسمية، فترافق صاحبها طيلة حياته، وتصبح عائقًا في التعريف به أو في انتمائه الثقافي.
المفارقة أن الموريتاني لا ينتبه إلى غرابة اسمه إلا حين يغادر حدود الوطن أو يلتقي بالمغاربة أوالمشارقة. هناك يكتشف أن الاسم الذي يحمله يبدو غريبًا أو مشوَّهًا، وأنه لا يترجم أي معنى معروف في القاموس العربي. ولعل هذا الأمر قد يجعلنا في نظر البعض غير عرب، على الرغم من أن العربية هي وعاء ثقافتنا وحامل هويتنا الدينية.
الاسم هو أول بطاقة تعريفية يحملها الإنسان، وهو الانطباع الأول الذي يتركه قبل أن ينطق بكلمة فحين نسمع اسمًا رصينًا من التراث العربي أو الإسلامي، نستحضر معه تاريخًا وقيمًا ومعاني سامية. أما حين نصادف أسماء بلا جذور أو بلا دلالة، فإنها تُحدث قطيعة بين الفرد ومحيطه الثقافي. من هنا، فإن سوء اختيار الأسماء لا يُعد خطأً فرديًا فحسب، بل مؤشرًا على خلل أعمق في وعينا كمجتمع.
نحن مطالبون اليوم بالتعامل مع مسألة التسمية بوعي ومسؤولية. ليس من باب الترف اللغوي، بل من باب استعادة هويتنا التي بدأت تتآكل أمام موجات التغريب والتحريف. يجب أن نعيد الاعتبار للأسماء العربية الأصيلة ذات المعنى، وأن نصحح الأخطاء الإملائية والنطقية التي علقت بألسنتنا ودفاترنا الرسمية. ولا مانع من أن نستعين بجهود إدارات الحالة المدنية، عبر اعتماد دلائل واضحة للأسماء الصحيحة، وتوعية الآباء والأمهات بضرورة حسن الاختيار. يجب أن لا ننسى أن هنالك دولا مثل المغرب ومصر والسعودية تضع قيودا على بعض الأسماء وتشجع على أخرى.
لقد كان رسول الله ﷺ يغيّر الأسماء القبيحة ويبدلها بما هو حسن، ليؤكد أن الاسم ليس مجرد لفظ، بل هو جزء من الكرامة الإنسانية. فما أحوجنا اليوم في موريتانيا إلى أن نُحيي هذه السنة الشريفة، فنختار لأبنائنا أسماءً تعبّر عن انتمائنا، وتكون بمثابة جواز سفر ثقافي نعتز به أمام أنفسنا وأمام العالم.
إن إعادة الاعتبار للأسماء ليست قضية شكلية، بل هي معركة صغيرة في مظهرها، كبيرة في دلالتها، لأنها تمس صميم الهوية. وحين نحسن أسماءنا، نحسن بذلك صورتنا في مرايا التاريخ والمجتمع.