على جنبات الطريق الرابط بين طب القلب وشوارع البوادي، وبعيد صلاة العصر بقليل نصب الشاب محمد معداته ولمم أغراضه، وأوقد ناره استعدادا لعرض خدماته على مآت الزوار الهاربين من صخب نواكشوط وجحيمه إلى هواء رمال الصحراء الطلق شمال غرب العاصمة.
وعندما تميل شمس نواكشوط نحو الغروب وتبدأ حركة المرور بالازدحام على الطريق الذي يشق بحورا من الرمال الزاحفة، ويعلو الضجيج، وتمتلأ جنبات الطريق من السيارات، يبدأ التحدي هنا؛ حيث يتسابق العشرات من أمثال محمد ــ ممن وجدوا في هذا المهنة أفقا ــ لإقناع أكبر عدد ممكن من الزوار وإرشادهم إلى الأماكن الخاصة بهم.
ومنذ سنوات أصبح هذا الطريق ملاذا مريحا لسكان نواكشوط خصوصا في مساءات الصيف والخريف الصامتة، فتتدفق إليه الأسر والأصدقاء للتنزه والترويح من مدينة لا تكاد تتنفس إلا تلوثا وصخبا، حيث لاوجود لمنتزهات ولا حدائق ولا حتى شواطئ عصرية عامة يرتادها السكان.
و على هذه الطريق يتواصل توافد الناس لهذه المنتجعات حتى ساعات متأخرة من الليل، لينضموا لعشرات الأسر والأفراد المتناثرة على ألسنة الكثبان الرملية المحيطة بالطريق منذ وقت طويل، حيث فضل الكثير منهم المبيت هناك حتى الصباح.
وفي هذا الجو المفعم بالحيوية يجد بائعو الشاي ومحلات الشواء المتناثرين على طول الشارع فرصهم للاسترزاق ويخلقون فرص عمل مربحة نسبيا، خصوصا في ليالي العطل الأسبوعية.
لهذا يقول بائع الشاي محمد القادم من تنمبدغة أقصى الشرق الموريتاني لموقع تحديث: إنه يمارس هذه المهنة منذ سنة تقريبا وأنه يوفر عدة خدمات للزبناء من بينها الشاي والأفرشة والخيم بأسعار مناسبة.
ويشير محمد إلى صعوبة مهنته الشاقة التي تحتاج حسب تعبيره عزيمة وإصرارا “نسهر ليالي متتالية حتى الصبح لنوفر لزبنائنا وسائل الراحة فبعض الزبناء لا يأتي إلا الثالثة فجرا “
ويضيف ” نجد إقبالا كبيرا أيام العطل ونوفر الشاي ب 1000 قديمة، ونؤجر الفراش لجماعة صغيرة ب 1000 أيضا، أما الخيمة فلا تؤجر بأقل من 3 ألاف قديمة، ويبلغ دخلنا في بعض الأحيان 12 ألف تقريبا في الليلة.
ملتقى الأصدقاء
وفي زمن الخريف ومع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار المستنقعات والبعوض في شوارع نواكشوط يتجه كثير من سكان العاصمة لمدن الداخل في أعماق الريف الموريتاني وتبقى شوارع البوادي على أطراف المدينة المتنفس الوحيد لمن منعتهم ظروف العمل من مغادرة نواكشوط.
وبين ما كان يتوسط أصدقاءه الذين يمارسون هوايتهم في لعب “المرياس” في هذا الهواء الفسيح أوضح الشيخ أحمد لموقع تحديث : أن هذا الطريق أصبح ملتقى للأصدقاء والأسر الراغبين في الاستمتاع بوقتهم خارج البيوت الضيقة والجدران المغلقة، ويتوافدون إليه من مختلف الأجناس والأعمار.
ويضيف دائما ما نأتي هنا لهذه الرمال بحثا عن الراحة، و للقاء الأصدقاء الذين فرقتنا معهم مشاغل الحياة وتباعد أماكن العمل والإقامة.
وأكد الشيخ أنه دائما ما يطلب خدمات بائعي الشاي المتواجدين هنا بكثرة حسب قوله منوها بحسن معاملتهم للزبناء وبجودة خدماتهم من شاي وأفرشة وغيرها.
وفي جوانب أخرى من هذه المنتجعات الرملية ترى أيضا جلسات خاصة بالنساء تطبعها لمسات نسائية خالصة يلبسون فيها زيا موحدا ملاحف “النيلة” المتجذرة في الثقافة الموريتانية.
ويحضر في هذه الجلسات بقوة الشاي المنعنع والمشوي والعصائر واللبن الموزع في الأواني القديمة والألعاب التقليدية والموسيقى العتيقة التي تنبعث من كل جهة من مجالسهن.