في بلادنا، تحولت عادة قطع الإنترنت أثناء امتحانات الباكالوريا إلى أسلوب إدارة بائس يكشف عجز السلطات عن إيجاد حلول حقيقية لمشكلة الغش. بدل الاستثمار في مراقبة صارمة داخل القاعات أو استخدام أدوات تقنية دقيقة لحجب الإنترنت داخل مراكز الإمتحانات، تختار السلطات الخيار الأبعد عن التقنية والأكثر ضرراً: قطع الخدمة عن هواتف ملايين المواطنين دفعة واحدة. أو لم يتفكروا في أن الغش قد لا يأتي فقط من الإنترنت إذ أن هنالك متصفحات و برامج الذكاء الاصطناعي التي تعمل بدون نت وهنالك أيضا تطبيقات تواصل تعمل عبر البلوتوث. هنالك حاسبات قديمة يكفي أن تكتب لها الدالة “مثلا” وستتكفل بحلها تفصيلا، من مجال التعريف إلى الإشتقاق وحتى رسمها بدقة.
المؤسف حقا هو أن هذا القرار يمس أشخاصاً لا علاقة لهم بالامتحانات، ويعطل أعمالاً ومعاملات تعتمد على الإنترنت، من دون أي تعويض أو حتى اعتراف بالضرر. ما قيمة شحن المواطن للإنترنت إذا كانت السلطات قادرة على سلبه الخدمة متى شاءت وبلا مبرر مباشر يخصه؟ المفارقة أن التطبيقات البنكية تعمل أما الوصول للشبكة فمعطل، هذا يعني أن حق ملاك المال أهم من حقوق العامة.
هذا ليس مجرد سوء تسيير، بل دليل على عقلية إدارية فاشلة وعاجزة، تتعامل مع الأزمات بنفس الأسلوب في كل مرة و من دون أي رؤية أو ابتكار. فإيقاف الإنترنت عن بلد كامل من أجل بضعة حالات غش هو اعتراف صريح بأن الإدارة غير قادرة على حماية نزاهة الامتحانات إلا بمعاقبة الجميع. هذه عقلية الطوارئ الدائمة، وليست إدارة دولة في القرن الحادي والعشرين.