الرأي

زراعة بلا ماء وحوار بلا معنى… هذا هو الواقع

محمد محمود الشيباني

إن حكومتنا اليوم تشبه تمامًا شخصًا يهذي في منامه، يظن أنه يوزع الثروات ويطلق المشاريع الكبرى ويزرع الحقول، بينما في الحقيقة هو مستلقٍ على وسادة الوهم، غارق في سبات عميق، والبلد يسير نحو المجهول. فخامة الرئيس مثال صارخ لهذا الهذيان السياسي: يطل على الشعب بخطاب مفعم بالنصائح، يطالبهم فيه بالاتجاه إلى الزراعة في ظل أزمة العطش. هل غاب عن الطاقم المرافق تنبيه سيدنا أم انه كان في عز نومه كالعادة؟

صاحب الجلالة والسمو يبدو وكأنه يعيش في نشرة أخبار خاصة بالنرويج أو سويسرا، لا في موريتانيا. يسافر كثيرًا، ينام كثيرًا، يبتسم قليلًا، ويعرف أقل القليل عمّا يجري في الشوارع والأسواق والمدارس… كل ما يعانيه سكان العاصمة من انقطاع في الماء والكهرباء وارتفاع في أسعار المواد الضرورية والبطالة، هو مجرد نسخة مخففة مما يعيشه سكان الداخل، حيث الأزمات مضاعفة، والدولة غائبة تمامًا إلا من بعض اللافتات الباهتة وصور المسؤولين في المناسبات. في القرى البعيدة، لا يوجد ماء للشرب، ولا طرق معبدة، ولا خدمات صحية محترمة، وكأن هذه المناطق خارج حدود الوطن إلا عند موسم التصويت أو رفع الشعارات.

وبدلًا من أن تنشغل الحكومة بإصلاح حقيقي وجدي في مواجهة هذه الكوارث اليومية، انصرفت إلى ما يسمى ب “الحوار الوطني”، الذي لا يمت بصلة لواقع معيشة المواطنين، بل هو مجرد تغريد خارج السرب، هدفه تبرير تعيينات جديدة داخل الدائرة الضيقة لحزب الإنصاف، وكأن مشاكل الناس يمكن أن تُحل بزيادة عدد الكراسي للمقرّبين.

نحن اليوم أمام دولة بلا رئيس فعلي، وبلا معارضة فاعلة، وبلا خطة واضحة، وبلا حياة سياسية تُذكر. كل شيء مؤجَّل، وكل وعود التنمية صارت كأحلام النائم… جميلة في الخيال، لكنها تنهار حين تفتح عينيك على واقع يزداد قسوة كل يوم. هذا البلد لا يحتاج إلى مزيد من “الحوارات”، بل يحتاج إلى صحوة من هذا النوم العميق قبل أن نصحو جميعًا على فراغ أكبر مما نتصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى