الرأيثقافة وفن

في عصر الرقمنة.. هل تضيع الثقافة والفنون في موريتانيا؟

الداه اخديم

 

كانت الثقافة في موريتانيا، لقرون طويلة، القلب النابض للمجتمع، وصوت الصحراء الذي يصل صداه إلى كل الآفاق.

في الأمس القريب، كان الشباب يملؤون حلقات العلم في المحاظر، ويقتنون الكتب، ويتباهون بمعرفة الشعر والأدب، ويقضون أوقاتهم في نقاشات فكرية ترفع من وعيهم وتُصقل ذائقتهم.

كان الكتاب صديقًا، والثقافة شرفًا، والفن وسيلة للتعبير عن الذات والارتباط بالجذور.

أما اليوم، فقد تغير المشهد. اختفت عادة القراءة عند كثير من الشباب، وغابت روح البحث والاكتشاف، وحلّت محلها ثقافة رقمية غربية الطابع، لا تقدم لهم إلا القشور.

لم تعد الفنون التقليدية تجذبهم، ولم يعد الشعر الحساني والأدب العربي يستهويهم كما كان، بل انجذبوا إلى أنماط دخيلة، بعضها يهدد هويتهم ويجعلهم غرباء في أوطانهم.

هذا التحول الخطير لا يعني الانفتاح على الآخر بوعي، بل يعني الذوبان في الآخر بلا وعي.

إنّ الفنون الموريتانية، بموسيقاها العريقة وشعرها العذب وحكاياتها التي تحمل عبق التاريخ، تقف الآن في مواجهة خطر حقيقي. النوادي الثقافية تُهمل، الفعاليات الفنية تتناقص، والمبدعون يعملون في صمت دون دعم أو تقدير. ومع كل يوم يمضي، تتسع الهوة بين جيل عاش الثقافة وجيل يستهلك محتويات سريعة وزائلة، تفرغه من قيمه وتغرس فيه عادات لا تشبهه.

هذا ليس خوفًا مبالغًا فيه، بل نذير خطر يقترب من أن يصبح واقعًا مؤلمًا. إذا استمر الوضع كما هو عليه، فإنّ الثقافة والفنون الموريتانية ستتحول إلى مجرد فصل في كتاب التاريخ، يتحدث عنه الناس بحنين، دون أن يعيشوه.

إنّ إنقاذ ثقافتنا ليس خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي. يجب أن نعيد الاعتبار للقراءة في المدارس، وأن نخلق بيئة تحفز الشباب على التمسك بهويتهم مع انفتاح واعٍ على العالم.

يجب دعم الفنانين والمثقفين، وتوفير منصات حقيقية لإبداعهم. والأهم من ذلك كله، يجب أن يشعر الشباب بأنهم ورثة حضارة عظيمة، لا يجوز لهم التفريط فيها تحت أي ظرف.

فالذي يترك ثقافته تموت، يترك وطنه ينطفئ، والذي ينطفئ وطنه، تضيع معه كل القيم التي عاش من أجلها الأجداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى