
ينظر إلى الديمقراطية على أنها مفهوم سياسي يتعدى حدود الحرية الشخصية ليشمل قدرة الأفراد على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم اليومية و تمثل في المجتمعات المتقدمة مساحة حيوية لحرية التعبير والمشاركة، حيث يُسمح للناس بالتعبير عن آرائهم بحرية ومساهمتهم في الشؤون السياسية وعلى النقيض من ذلك في البلدان الفقيرة حيث يبقى التساؤل قائمًا: هل يمكن للديمقراطية أن تسمن أو تغني من جوع؟ وهل يعتبر التعبير عن الرأي كافيًا في غياب توفير المطالب الأساسية مثل الغذاء والصحة والأمن؟
الديمقراطية في البلدان الفقيرة
إن الديمقراطية في مفهومها الأوسع لا تقتصر فقط على حرية التعبير ، بل تشمل قدرة الأفراد على التأثير في مجريات الأمور السياسية والاقتصادية، وهو ما يتيح لهم تغيير واقعهم وتحقيق مطالبهم. لكن في البلدان الفقيرة، غالبًا ما يتم تجاهل هذه المطالب لصالح الأمور الأكثر إلحاحًا، مثل توفير الطعام والمأوى. فالفقير، الذي يقضي معظم يومه في العمل من أجل لقمة العيش، لا يملك الوقت أو الطاقة للتفكير في القضايا السياسية أو التعبير عن رأيه في الشؤون العامة و في هذه الحالة، تصبح الديمقراطية مجرد شعار بلا مضمون حقيقي.
يقف الفقر عائقًا حقيقيا أمام المشاركة السياسية الحقيقية حيث يمكن الجزم بأن حرية التعبير وحدها غير كافية في ظل غياب تلبية الاحتياجات الأساسية. بمعنى آخر، لا يمكن أن يكون التعبير عن الرأي ذا معنى إذا لم تُترجم المطالب إلى تحسينات ملموسة في حياة الناس. على سبيل المثال، أحيانا، في بعض البلدان الفقيرة، يظهر الواقع السطحي شكلا من أشكال الديمقراطية ولكن الواقع الحقيقي يفند ذلك وخصوصا إذا كان المجتمع يعيش تحت خط الفقر، بين الجوع و المرض، مع ندرة المياه وارتفاع فاتورة الكهرباء وانعدام الخدمات الصحية والأهم من كل ذلك انعدام أي استراتيجية لحل الأزمات الإقتصادية المستمرة. في هذا الواقع، تصبح الديمقراطية مجرد واجهة لتغطية الفشل في تلبية احتياجات الناس الأساسية.
هل الفقر عائق أمام الديمقراطية؟
يعد الفقر عقبة كبيرة أمام الديمقراطية الحقيقية. في الدول الفقيرة، تُمارس الديمقراطية بشكل صوري من قبل فئات قليلة تتمثل في النخب السياسية والعسكرية. وهذه الفئات غالبًا ما تكون بعيدة عن اهتمامات الشعب وتطلعاته. الأغنياء، وهم غالبًا من يملكون السلطة السياسية و الاقتصادية، لا يسمحون للأغلبية الفقيرة بالمشاركة الفعالة في صنع القرار، بل يستغلون هذا الوضع لتحقيق مصالحهم الخاصة. وهكذا، يصبح صوت الفقراء مغيّبًا، وتظل الديمقراطية مسرحية يُستخدم فيها الشعب كمجرد جمهور، بينما تتم السيطرة على مقاليد الحكم بيد فئات قليلة.
من المحتمل أيضًا أن تكون الديمقراطية في هذه البلدان مجرد قناع أو وسيلة تستخدم لتجميل النظام القائم أمام العالم، بينما يظل في جوهره بعيدًا عن احتياجات الناس الفعلية وفي هذه الحالة يمكن القول بأن الديمقراطية أصبحت مجرد أداة في يد القلة المتنفذة لا أكثر و ربما نجد أن هذا التناقض بين الديمقراطية والتطبيق الفعلي لها هو ما يسبب الإحباط لدى المواطنين و يجعلهم يشككون في فعالية النظام الديمقراطي.
الديمقراطية كحق مكمل للحقوق الأخرى
إن حرية التعبير أو الديمقراطية، في حقيقتها، عبارة عن حق مكمل للحقوق الأخرى مثل الصحة، والتعليم، والغذاء، والأمن و إذا كانت الديمقراطية لا تُمنح إلا للأفراد الذين لديهم القدرة على التعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ القرارات، فإنها تصبح بلا قيمة بالنسبة لأولئك الذين يفتقرون إلى هذه الحقوق الأساسية و في هذا السياق، لا يمكن للفقراء أن يمارسوا الديمقراطية كما ينبغي، لأنهم ببساطة لا يملكون ما يكفي من الموارد أو الوقت لممارسة هذا الحق بشكل فعّال.
الديمقراطية كأداة في يد النظام
هل يمكن القول بأن الديمقراطية في البلدان الفقيرة هي مجرد كلام لا يتجاوز القول؟ يمكننا الإجابة بنعم فالديمقراطية تتحول إلى لفظة لا تحمل أي معنى حقيقي في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومثال ذلك، تلك الإنتخابات التي تجري تحت العديد من المسميات مثل التعددية و حرية التعبير، ويتم من خلالها تجميل صور الحكومات أمام المجتمع الدولي في حين يبقى الوضع كماهو إن لم يزدد سوءا، وتظل أيضا نفس الوجوه بالرغم من تمثيلية التغيير، بينما تبقى حقيقة الديمقراطية غائبة تمامًا عن حياة الناس اليومية. وفي هذه الحالة يمكن النظر إلى الديمقراطية على أنها أداة في يد الأنظمة السياسية لتأبيد حكمها.