الرأي

الحوار المرتقب في موريتانيا: هل يخدم الوطن أم نخبة السلطة؟

محمد محمود الشيباني

تستعد الساحة السياسية الموريتانية لـحوار سياسي مرتقب، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول أهدافه الحقيقية ومخرجاته المنتظرة. ففي ظل تعقيدات المشهد الوطني الراهن، الذي يعاني من أزمات متتالية على الأصعدة الأمنية، والصحية، والخدماتية، يرى مراقبون أن هذا الحوار قد لا يكون سوى محاولة لتعزيز قبضة النظام الحالي على السلطة، بدلاً من خدمة مصالح الوطن والمواطنين.

وتنبئ العديد من المؤشرات إلى أن هذا الحوار، كسابقاته، لن يخرج عن دائرة التعيينات والمناصب، حيث ستكون النتيجة المحتومة هي تثبيت أو ترقية أشخاص من داخل النظام الحالي، أو أبناء لوزراء ومديرين سابقين. لقد أثبتت هذه المنهجية فشلها تاريخيًا، ولا يمكنها أن تقدم حلولاً للمشاكل الحقيقية التي تثقل كاهل الموريتانيين: من تدني الخدمات الصحية، وانقطاع الكهرباء المتكرر، ونقص مياه الشرب، وتفشي الرشوة، وتفوق الشرائحية على الكفاءة، وصولاً إلى سوء التسيير الإداري. إن الأفراد المنبثقين من رحم هذا النظام، والذين لم يختبروا معاناة البسطاء، لن يتمكنوا من إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمات.

تتفاقم المشاكل بسبب غياب الأهلية لدى المسؤولين عن هذا الحوار. فليس لديهم معايير واضحة يتبعونها، الأمر الذي يجعل إسناد هذه المهمة إليهم السبب الأول في فشل أي مسعى إصلاحي حقيقي فهم لا يدركون أو لا يكترثون لمطالب الشارع، ولذلك يمكن وصف هذا المشروع بأنه “حوار داخل الحكم الحالي”، مقتصر على جماعة الرئيس الغزواني ومن يرغبون في إدخالهم إلى فلك السلطة فقط.

وفي ظل هذا المشهد، يتساءل الكثيرون عن دور الصحافة الحرة في بلادنا. فهل تقوم الصحافة الموريتانية بواجبها في توعية الشعب ونقل معاناته؟ للأسف، تُظهر التجربة أن جزءًا كبيرًا من وسائل الإعلام تحول إلى أبواق للنظام، يتقن أفرادها فن التملق للحصول على المناصب والمزايا، بدلاً من ممارسة دورهم الرقابي والتوعوي. هذا التشويه لمهنة الصحافة يعمق أزمة الثقة بين المواطن والإعلام.

أما بالنسبة للمنظمات الدولية والسفارات الأجنبية في نواكشوط، بما في ذلك السفارة الأمريكية، فإنها تعتمد بشكل كبير على ما يُنشر في الصحافة المحلية. وبما أن هذه الصحافة تدين بالولاء للنظام، فإن الصورة التي تصل إلى هذه الجهات الدولية قد تكون مغلوطة وتفتقر إلى الحيادية، رغم ادعاءات الحرية. من هنا، تقع مسؤولية جسيمة على عاتق المثقفين الوطنيين الواعين لإنشاء تقارير ودراسات ميدانية دقيقة تعطي حقيقة المواطن وتصوره في هذا السجن الكبير يحاصره الجوع والمرض. ونظرا لغياب مبدأ العدل والمساواة واستمرار انتهاك حقوق المواطن، يجب أن تُعرض هذه الدراسات على الجهات الأجنبية، وأن تركز على المعاناة الحقيقية للمواطنين، وأن تُفضح التواجد المستمر في السلطة للمسؤولين الفاشلين والمدانين، الذين أصبح الشعب الموريتاني يكن لهم الكراهية.

إن هذا النظام، الذي يرتكز على ثلة من الأشخاص الباحثين عن التعيينات والمنافع الشخصية، لا يمكنه أن يقود إصلاحًا حقيقيًا أو يدير حوارًا وطنيًا شاملاً. فـفاقد الشيء لا يعطيه؛ ولا يمكن لمن لا يتقن ألا الكلام والوعود الكاذبة أن يخدم وطناً يعاني من الظلم في ظل صمت مطبق ممن يسمون أنفسهم “المعارضة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى