
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يعيش المواطن الموريتاني، خاصة في العاصمة نواكشوط، حالة من القلق والترقب، في ظل ارتفاع صاروخي لأسعار الأضاحي التي باتت خارج متناول شريحة واسعة من السكان.
ففي وقت يستعد فيه الناس لأداء شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، يبدو أن متطلبات السوق تقف حاجزًا أمام تطلعات آلاف الأسر التي تبحث عن أضحية تدخل بها السرور على أبنائها، وترجو بها القُرب من الله في هذا الموسم المبارك.
بين زحام سوق “المربط” الشهير، يقف “أعمر” حائرًا، وهو يتنقل من تاجر إلى آخر منذ يومين، بحثًا عن أضحية متوسطة الحجم بسعر مقبول. يقول وهو يزيح عرقه بكم دراعته:
لا أبحث عن خروف فاخر أو بوزن قياسي، فقط أريد أضحية تليق بمقام العيد دون أن أستدين أو أتنازل عن ضروريات أخرى!
قفزة في الأسعار
خلال عيد الأضحى الماضي، تراوحت أسعار الأضاحي المتوسطة بين 40 و50 ألف أوقية قديمة، بينما لم تتجاوز أسعار الأضاحي الممتازة حاجز 60 ألفًا. أما هذا العام، فقد وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية، إذ يبلغ الحد الأدنى في بعض الأسواق 50 ألف أوقية، فيما تصل بعض الخراف إلى 90 ألفًا، بل تتجاوزها أحيانًا، بحسب ما صرح به تجار سوق “المربط
التاجر “أحمد_الذي أمضى سنوات في سوق المواشي، يقول:
“الناس يتذمرون من الأسعار، لكن الحقيقة أن الأمور لم تعد كما كانت. الجفاف أتعب المنمين، والتكاليف ارتفعت، ونحن مجرد حلقة في سلسلة طويلة”
ويضيف أن الإقبال لا يزال ضعيفًا، لكنه يتوقع أن يشهد السوق ازدحامًا شديدًا في اليوم الأخير قبل العيد، لأن أغلب سكان نواكشوط يؤجلون شراء أضاحيهم للّحظة الأخيرة، لتوفير مشقة النقل والخوف من سرقتها عند ربطها في المنزل.
موريتانيا تصدّر أضاحيها والسنغاليون يشترون!
المفارقة العجيبة أن هذه الأزمة تأتي رغم امتلاك موريتانيا نحو 20 مليون رأس من الغنم. غير أن الأسواق المحلية لا تعكس هذه الوفرة، والسبب يعود – وفقًا للتجار – إلى تراجع دخول المواشي إلى السوق هذا الموسم، بفعل الجفاف أولاً، وبفعل التصدير ثانياً.
فقد وقعت موريتانيا مؤخرًا اتفاقية مع السنغال لتصدير 250 ألف رأس من الكباش، وهو ما يغطي 70% من حاجياتها من أضاحي العيد.
يقول أحد التجار: “كنا نبيع للسنغال بشكل فردي، لكن الآن الأمور صارت ممنهجة، وهذا يقلص المعروض في السوق المحلي ويرفع الأسعار.
العديد من المواطنين أعربوا عن استيائهم من هذه السياسة، متسائلين عن أولويات الحكومة: هل هي تحقيق مكاسب تصديرية؟ أم ضمان توفر الأضاحي للمواطنين بأسعار مناسبة؟
وخلال تجولنا في المربط كان عزيز وهو سنغالي أربعيني مقيم في موريتانيا، ويعمل في مجال تقديم الخدمات الكهربائية المنزلية، منذ سنوات يبحث عن عن أضاحي.
عيد الأضحى بالنسبة لعزيز مناسبة خاصة يعد له العدة حيث قام بتربية أضحيته التي سيذبحها في العيد بمنزله وتولى رعايتها بنفسه منذو زمن.
لم يكن السنغالي يريد أضحية لنفسه وأوضح لموقع تحديث أنه جاء من أجل شراء أضحيتين لعمّته المقيمة في السنغال حيث تبلغ أسعار الأضاحي هناك 120 الف أوقية.
و تفاجأ جدا من أسعار الذي قال: ” إنها غالية جدا مقارنة بالعام الماضي الذي اشترى فيه كبشا من نفس المربط ب 60 الف أوقية.
رفقنا عزيز وانتقلنا معه من تاجر لآخر طلب منه الأول دفع 150 الف في كبشين اختارهما بنفسه لكن عزيز رفض فهو مصر على أن لايدفع فيهما أكثر من 138.
انتقل عزيز لبائع آخر يدعى أحمد دي القادم لتوه من لعيون عاصمة الحوض الشرقي بقطعان من الغنم لبيعها في أسواق نواكشوط.
بعد مساومات ومفاوضات استمرّت لنصف ساعة تقريبا بدأ عزيز يقتنع بأن السعر الذي يصر عليه لا يمكن أن يشتري به كبشا بالحجم الذي تريده عمته.
و أخيرا قبل عزيز دفع 146 الف مكرها في أضحيتين مقبولتين، بعد أن وقف الغلاء حاجزا بينه وبين كباشه المفضلة ذات الحجم الكبير.
مازالت أمام تحديات و محطات أخرى سيمر بها قبل أن تصل الأضحية لعمّته إذ سيتكلف في نقل كل شاة للسنغال 6 آلاف أوقية.
في المحصلة، يدخل المواطن الموريتاني موسم الأضحى هذا العام مثقلاً بالهموم، وممزقًا بين رغبته في إحياء الشعيرة الإسلامية، وواقعه الاقتصادي الصعب. وبينما تتضخم أرباح البعض في الأسواق، تنكمش فرص الفرح لدى الأغلبية.
فهل تتحرك الجهات المعنية قبل فوات الأوان؟ أم سيظل المواطن يدفع ثمن السياسات المرتجلة والمواسم القاسية وحده؟
أسئلة كثيرة، وإجاباتها لا تزال رهينة موازين السوق، وسرعة استجابة الدولة، ووعي المنمين والمستهلكين معًا.