مثلث الفقر.. فشل السياسات التنموية من الداخل
بقلم: سيدالخير عمرو – اقتصادي
رغم مرور عقود على البرامج التنموية الموجهة لمناطق الداخل، لا تزال بعض المناطق تشكّل شاهدًا حيًا على فشل مقاربات التنمية المعتمدة في البلاد.
ومن أبرز هذه النماذج ما يُعرف بـ”مثلث الفقر”(آفطوط الشرقي)، الذي يحتضن ما يزيد على 15% من سكان البلاد، ويواجه واقعًا قاسيًا من التهميش، وانتشار الفقر والمرض، وغياب أبسط مقومات الاستقرار.
عشرات البرامج تم تنفيذها في هذه المنطقة، مئات الملايين صُرفت على مشاريع بنية تحتية ومدارس ومراكز صحية. ومع ذلك، ظلت النتائج بعيدة عن المأمول.
لم تتراجع معدلات البطالة، ولم تُخلق فرص عمل حقيقية، بل استمرت الهجرة الداخلية نحو العاصمة، وتفاقمت هجرة الشباب إلى الخارج، في دلالة واضحة على غياب التنمية الفعلية.
ما يزيد الطين بلّة هو أن معظم البرامج التنموية نُفذت وفق نماذج نمطية، مستنسخة من سياقات أخرى، لا تنطلق من واقع المنطقة ولا تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية.
يتم التركيز مثلًا على مشاريع تعليمية وصحية في بُناها التحتية، دون أن تُربط بمنظومة إنتاج محلية تضمن لها الاستدامة، أو أن تؤطر ضمن خطة إنعاش اقتصادي حقيقي.
وفي المقابل، برزت مدينة مثل الشامي، التي لم تكن مدرجة في خطط مركزية، لكنها وُلدت من رحم النشاط الأهلي المرتبط بالتعدين.
وخلال سنوات قليلة، تحولت إلى مدينة حيوية، تحتضن نشاطًا اقتصاديًا متنوعًا، وتوفر آلاف فرص العمل، وتُشكل مجال جذب بدلًا من الطرد.
هنا يطرح السؤال نفسه: هل الخطط التنموية تعالج فعليًا إشكاليات الفقر والبطالة، أم أنها مشاريع شكلية لا تمسّ جوهر الأزمات؟
الحقيقة أن الحل يكمن في إعادة توجيه البوصلة. لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية: الزراعة، الثروة الحيوانية، والتكوين المهني.
هذا “الثالوث” هو وحده القادر على إطلاق دورة اقتصادية محلية، تمتص البطالة، وتُعيد الحياة للمناطق المنسية.
فبدل القفز إلى المثاليات والتصورات المستوردة، علينا بناء سياسات تنبع من الأرض، وتخاطب الناس بلغتهم، وتبدأ من حاجاتهم اليومية. هذا هو الطريق الوحيد للخروج من دائرة الفقر والتهميش.