الحوار الوطني: آلية للتوافق السياسي أم أداة لتجميل الواجهة؟

الاستاذ محمد فاضل المعلوم الأمين العام لحركة كفانا
تُعَدُّ الحوارات السياسية إحدى الركائز الاستراتيجية لتسوية الأزمات الوطنية، كونها جسراً نحو الشرعية السياسية وضمانة للاستقرار المؤسسي فضلاً عن كونها منصة لإعادة تأسيس الميثاق الاجتماعي على أسس العدالة التوزيعية، والمشاركة الديمقراطية الفاعلة.
غير أن فعالية أي حوار رهينة بمدى جدية الأجندة المطروحة وشمولية المشاركة ووجود ضمانات تنفيذية تُخرِج النتائج من حيز الخطاب إلى حيز السياسات العمومية، بعيداً عن المحاصصة الضيقة و المناورات التكتيكية التي تستهدف إطالة أمد الأزمة.
الحوارالجاد: إصلاح هيكلي لا ترقيع ظرفي
لا يُختزَل الحوار الوطني الجاد في طقوس شكلية، أو منصات إعلامية لامتصاص الاحتقان الإجتماعي، بل يجب أن يكون جزءاً من مسار انتقالي متكامل يهدف إلى معالجة الأزمات البنيوية عبر إصلاحات جذرية في مجالات الحكامة الرشيدة، والإدارة التشاركية ، وإعادة هيكلة المؤسسات السيادية.
كما يتعين أن يرتكز الحوار الوطني على مقاربة تشاركية تُشرِك كافة الفواعل السياسية والاجتماعية، مع وضع الأجندة التنموية والحقوق الأساسية للمواطن في صدارة الأولويات، لا سيما في قطاعات التعليم الجيد، والصحة الشاملة، والأمن الإنساني، والعدالة الانتقالية، والإطار التشريعي الانتخابي، (المدونة الانتخابية)
فهذه الملفات ليست شعاراتٍ للاستهلاك الإعلامي، بل تُشكِّل جوهر “العقد الاجتماعي المُجَدَّد” الذي تقوم عليه أي دولة مُنْتِجةٍ للعدل والرفاه.
التماسكالاجتماعي: من الإقصاء إلى المواطنة التامة..
لا يكتسب الحوار الوطني شرعيته إلا بجعله قضية الوحدة الوطنية والانصاف المجالي في صلب نقاشاته، عبر تفكيك أنماط التمييز البنيوي والإقصاء المنهجي التي تعاني منها شرائح مجتمعية واسعة لا سيما في ظل الإرث التاريخي للاستعباد و التبعية الاقتصادية، فالحلول الترقيعية والخطاب التبريري لن يُنتِجا سوى مزيد من التصدعات، بينما يتطلب الأمر إصلاحاتٍ تحويليةً (transformative reforms) تُجسِّد المساواة الدستورية، وتُحَقِّق العدالة الانتقالية ،وتضمن التوزيع العادل للثروة، بما يُعيد بناء الثقة بين الدولة ومكوناتها.
رفض_الوهم: الحوار أداة إصلاح لا أداة دعاية
في ظل التحديات التي تواجهها الدولة، نؤكد أن الحوار الوطني يجب أن يكون آليةً للتغيير الجذري، لا منصةً لـتجميل الواجهة السياسية أو ترويج السرديات التضليلية، وهو ما عبرنا عنه بالضبط من خلال الموقف الرسمي ل”حركة كفانا” لذا، نرفض جملةً وتفصيلاً أي حوار يُحوِّل القضايا المصيرية للبلد إلى مسرحٍ لإعادة تدوير النخب الفاشلة، أو يُهمِّش دور القوى الشبابية الوطنية، والهيئات الفاعلة، تحت حجج واهية.
فقد كشفت التجارب السابقة عن ممارساتٍ مُمنهجةٍ لعرقلة المشاركة السياسية الفاعلة للشباب، عبر تضييق الخناق على تراخيص الأحزاب الجديدة، وتهميش مطالب الإصلاح الانتخابي، وتعطيل آليات المساءلة المجتمعية
نحو حوار تأسيسي: رؤية من أجل مستقبل توافقي…
لكي ينجح أي حوار، يجب أن يستند إلى خارطة طريق واضحة المعالم تُحدد آليات التنفيذ ومساطر المتابعة، مع ضمان التمثيل المتوازن لكافة المكونات، خاصة الفئات المُهمَّشة تاريخياً.
كما يجب أن يُنتج إجراءاتٍ ملموسة تُترجم إلى تعديلات تشريعية، وسياسات عمومية، وبرامج تنموية تعكس تطلعات المواطن البسيط، أما الحوارات الصورية التي تهدف إلى شرعنة الوضع القائم، وتحسين صورة نظام فشل الى حد الآن في تسيير شؤون البلاد على الأقل بطريقة معقلنة، فهي ليست سوى إدارة للأزمات بأساليب بيروقراطية، وسينتهي بها المطاف إلى تعميق الاحتقان، وربما تفجير الوضع في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية.
ختاماً، اعتقد ان النضال من أجل حوار وطني حقيقي يبقى رهيناً بتحقيق ثلاث شروط أساسية:
• الإرادة السياسية الفاعلة
• الضغط المجتمعي المنظم
• الالتزام بالحلول العادلة، التي تُعيد للدولة هيبتها، وللمواطن كرامته بعيدا عن التصنع، والمراوغات، والهاء الرأي العام.