لأكثر من 200 عام، كانت الاستضافة في البيت الأبيض شرفا كبيرا للرؤساء والمسؤولين الذين يزورون العاصمة الأميركية واشنطن.
لكن الملياردير الجمهوري دونالد ترامب يثور حاليا على الأعراف في واشنطن، ويقسو في بعض الأحيان على ضيوفه في البيت الأبيض أمام وسائل إعلام يتابعها مئات الملايين.
الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، جاء الجمعة لواشنطن يحمل أثقال الغزو الروسي والديْن الأميركي والوهن الأوروبي.
وفي البداية، توقع مراقبون أن يرحم ترامب ضعف ضيفه الأوكراني بعد أن أذعن الأخير للقبول مبدئا باتفاقية تمكن أميركا من وضع اليد على قطاع المعادن في بلاده إلى أن تستعيد ديونها.
لكن نجم تلفزيون الواقع لم يرق له أداء الممثل الكوميدي، فشن عليه هجوما لاذعا أمام كاميرات الصحفيين.
وقد اختارت بعض وسائل أن تصف ما حصل بأنه مشادة حادة بين الرئيسين الأميركي والأوكراني.
توبيخ وتهديد وسخرية
لكن الأمر لم يكن كذاك، فقد بالغ ترامب في توبيخ ضيفه وتهديده بالتخلي عنه في ساحة المعركة، ووصف بالرجل المهزوم الذي يريد الاستمرار في حرب خاسرة، وسخر من لبسه.
لقد خاطب ترامب ضيفه قائلا “ما تقوم به يظهر قلة احترام للولايات المتحدة”، ليضيف “أنت لستَ في موقف جيد وأنتم تقامرون بإشعال حرب عالمية ثالثة”.
ولم يتوقف عند هذا الحد، فقد واجه ترامب زيلنسكي بحقيقة ضعفه، قائلا “ليست لديك أي أوراق للعب بها دون دعمنا. عليك أن تكون ممتنا. وعليك الموافقة على وقف لإطلاق النار”.
وبعد قطع اللقاء المتوتر، أفادت التقارير بأن زيلنسكي غادر البيت الأبيض مطرودا في سلوك غير مألوف في العلاقات بين الدول.
ونقلت فوكس نيوز عن مسؤولين بالبيت الأبيض أن الإدارة الأميركية أبلغت الأوكرانيين أن على زيلنسكي مغادرة البيت الأبيض فورا.
ضغط وترهيب
وقبل وصول زيلنسكي للبيت الأبيض، قالت مسؤولة الخارجية الأوروبية كايا كالاس إن ترامب يظهر الصلابة لأوروبا فيما يقابل روسيا بالود واللطف.
ولعل اللقاء بزيلنكسي يشكل تجسيدا للمخاوف التي عبرت عنها المسؤولة الأوربية التي يقال إنها تعرضت هي الأخرى للإذلال في واشنطن عندما لم تتمكن من لقاء وزير الخارجية الأميركي بسبب “تضارب في المواعيد”.
وفي السياق ذاته، اعتبرت كايا كالاس أن الضمانة الأمنية الأفضل لأوكرانيا تتمثل بانضمامها لحلف شمال الأطلسي، متّهمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالوقوع في الفخ الروسي بموقفه الداعي لإغلاق باب الناتو أمام كييف.
وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لم يحظ في البيت الأبيض بالتقدير الذي يتوقعه كقائد دولة نووية تمتلك حق النقض في مجلس الأمن الدولي.
وقبل أسابيع، ظهر ملك الأردن عبد الله الثاني تحت ضغط رهيب من ترامب الذي كرر أمامه ضرورة قبوله بخطة تهجير غزة واستضافتهم في الأردن.
وقد اضطر ملك الأردن للسكوت عن إحراج ترامب له وإظهاره ضعيفا أمام وسائل الإعلام.
ووفق تقارير، فإن بعض قادة الشرق الأوسط وحتى أوروبا لا يرغبون في اللقاء بالرئيس الأميركي خوفا من تعرضهم للإذلال على مرأى ومسمع الملايين.
وقال السيناتور الجمهوري مارك كيلي، إن “ما جرى يظهرنا ضعفاء على الصعيد العالمي ولن نحقق أي شيء بهذا السلوك”. وأضاف “ما جرى في البيت الأبيض كان فوضى ويمثل هدية لبوتين”.
تضامن أوروبي
وأعرب الزعماء الأوروبيون عن تضامنهم مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعدما وبّخه الرئيس الأميركي وطرده من البيت الأبيض وفقا لوسائل الإعلام الأميركية.
وقال الإليزيه إن ماكرون تحدث مع زيلينسكي هاتفيا عقب التراشق الذي حدث في البيت الأبيض.
من جانبه، قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن بوسع أوكرانيا الاعتماد على ألمانيا وعلى أوروبا.
هذا الموقف كررته أيضا وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك التي قالت إن أوكرانيا ليست وحدها، وإن الأوروبيين يقفون متحدين إلى جانبها.
في الوقت نفسه، قال رئيس وزراء بولندا دونالد توسك للرئيس الأوكراني: “لست وحدك أنت والشعب الأوكراني”.
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مخاطبة زيلينسكي: “كرامتك اليوم هي تكريم لشجاعة الشعب الأوكراني. كن قويا وشجاعا”.”