تقارير

الرمال الزاحفة تهدد بابتلاع منازل بمدينة شنقيط التاريخية

 

ترجمة: البراء أحمد سالم

على مدى قرون من الزمان، كان الشعراء والعلماء ورجال الدين يتوافدون إلى شنقيط، والتي كانت تعد مركزا تجاريا عبر الصحراء الكبرى، ويضم أكثر من اثنتي عشرة مكتبة تحتوي على آلاف المخطوطات.

لكنها الآن تقف على حافة النسيان،  فقد غطت الرمال المتحركة قلب المدينة القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن، وهي تزحف إلى الأحياء الواقعة على أطرافها الحالية، لكن السكان يعتقدون أن لا مصير لهم سوى الصحراء هنا.

ومع ارتفاع حرارة مناخ العالم وجفافه، تتسبب العواصف الرملية في ترسيب كميات كبيرة من الكثبان الرملية على شوارع شنقيط ومنازل الناس، مما يؤدي إلى غمر بعضها بالكامل.

تحاول مشاريع زراعة الأشجار  حماية المدينة وإبعاد الرمال الغازية، لكنها حتى الآن لم تخفف من المخاوف العميقة المتجذرة بشأن المستقبل.

شنقيط هي واحدة من أربعة مواقع مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في موريتانيا، وهي دولة تقع في غرب إفريقيا حيث لا تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فيها عن 0.5%.

يعتقد الموريتانيون أن شنقيط من أقدس المدن الإسلامية. فمنازلها المبنية من الحجارة الجافة والملاط الطيني ومساجدها ومكتباتها تحتوي على بعض أقدم النصوص والمخطوطات القرآنية في غرب أفريقيا، والتي تغطي مجالاتها مواضيع عديدة من الفقه والعلوم إلى الرياضيات.

ويشعر الناشط المجتمعي ماء العينيم محمد الولي بالألم إزاء المخاطر التي تهدد السكان والتاريخ الذي تحتويه جدران شنقيط، موضحا أن الأمر يشبه مشاهدة كارثة طبيعية بالحركة البطيئة.

“إنها مدينة محاطة بمحيط من الرمال يتقدم كل دقيقة”، كما قال الولي، رئيس جمعية إدارة الواحات التشاركية المحلية. “هناك أماكن أسير فيها الآن أتذكر أنها كانت أسطح منازل عندما كنت طفلاً”.

 

وَيقول الولي بأنه : لا يزال يتذكر ذات مرة عندما هبت رمال قوية على حيّه حتى غطت  أسقف بعض المنازل المغطاة بأشجار النخيل، وبينما كان الجمل يمشي سقط من الأعلى في إحدى الغرف التي كانت مسكنا لشخص في يوم ما قبل أن تلتهمها الرمال.

وتشير الأبحاث إلى أن هجرة الرمال تلعب دوراً كبيراً في التصحر. فالصحاري، بما في ذلك الصحراء الكبرى، تتوسع بمعدلات غير مسبوقة، كما تنشط “بحار الرمال”، حيث تعمل الكثبان الرملية المتطايرة على هدم المناظر الطبيعية التي كانت موجودة في السابق.

وقال أندرياس باس، عالم الأرض من كلية كينجز لندن الذي يبحث في كيفية تغير الرياح وطريقة نفخ الرمال: “ما اعتدنا أن نفكر فيه باعتباره السيناريو الأسوأ قبل خمسة إلى عشرة أعوام يبدو الآن وكأنه سيناريو أكثر احتمالاً مما كان في أذهاننا وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2024 حول التصحر، كما أصبح أكثر من ثلاثة أرباع أراضي الأرض أكثر جفافًا في العقود الأخيرة.

وقد أدى الجفاف إلى تعريض قدرة النباتات والبشر والحيوانات على البقاء للخطر. فهو يحرم الأراضي من الرطوبة اللازمة لاستدامة الحياة، ويقتل المحاصيل ويمكن أن يتسبب في العواصف الرملية وحرائق الغابات.

وجاء تقرير الأمم المتحدة: “إن تغير المناخ الناجم عن الإنسان هو الجاني؛ المعروف بجعل الكوكب أكثر دفئًا، فإنه يجعل المزيد والمزيد من الأراضي أكثر جفافًا”.

“إن ندرة المياه المرتبطة بالجفاف تسبب المرض والوفاة وتحفز الهجرة القسرية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم”.

إن العلماء وصناع السياسات قلقون في المقام الأول بشأن تدهور التربة في المناطق التي كانت خصبة في السابق والتي أصبحت تدريجيا أراضا قاحلة، وليس على المناطق العميقة في الصحراء الكبرى.

ومع ذلك، في شنقيط، فإن تغير المناخ ينذر بالعديد من العواقب التي حذر منها المسؤولون. فالأشجار تذبل، والآبار تجف، وسبل العيش تختفي.

 

لقد وجد مزارعو التمور مثل ولد سالم البالغ من العمر 50 عامًا صعوبة متزايدة في تغذية أشجار النخيل الخاصة بهم، والآن يتعين عليهم ضخ المياه من الخزانات وتقليمها بشكل أكثر شمولاً للتأكد من استخدامها بكفاءة.

 

كانت المنطقة التي يسكنها سالم مليئة بالعائلات، لكنها انتقلت تدريجيًا. والآن تسد الرمال المدخل المؤدي إلى منزله.

لقد دفنت تلك التي عاش فيها بعض جيرانه ذات يوم. والآن أصبح بيت الضيافة القريب الذي بناه مستثمر بلجيكي قبل عقود من الزمان مغمورًا جزئيًا في كثيب رملي متموج بلون النحاس.

ورغم رحيل كثيرين، فإن سالم بقي هناك، مدركا أنه في كل مرة يغادر فيها أحد أفراد المجتمع، فإن منزله لن يصبح قادراً على أن يكون حصناً منيعاً، وبالتالي يصبح  الباقي من المجتمع أكثر عرضة لأن تبتلعه الصحراء.

نحن نفضل البقاء هنا،  “إذا غادرت، سيختفي مكاني”، هكذا قال مزارع التمر البالغ من العمر 50 عامًا.

 

كانت أشجار الأكاسيا والصمغ والنخيل تحمي الحي من الكثبان الرملية المتعدية، لكنها اختفت تدريجيًا. فقد ماتت الأشجار إما من العطش أو تم قطعها من قبل السكان الذين يحتاجون إلى الحطب أو أوراق الشجر لتتغذى عليها قطعانهم.

قال المعلم المتقاعد محمد الأمين اباهن بأن العواصف الرملية ليست جديدة ولكنها أصبحت تطفلية بشكل متزايد، حيث تترك كل منها بوصات أو أقدامًا في الأحياء الواقعة على حافة المدينة.

يستخدم السكان الحمير والعربات لإزالة الرمال لأن شوارع المدينة القديمة ضيقة للغاية بحيث لا تستوعب السيارات أو الجرافات.

وعندما تتراكم الرمال بارتفاع كافٍ، يبني البعض جدرانًا جديدة فوق الهياكل القائمة.

وأضاف اباهن: “عندما تزيل الغطاء النباتي، فإن ذلك يمنح الكثبان الرملية فرصة لتصبح أكثر نشاطًا، لأنه في النهاية الغطاء النباتي هو الذي يمكنه الاحتفاظ بالرمال حتى لا تهب كثيرًا”.

وقد أجرى اباهن لسنوات قياسات لرواسب الرمال والأمطار ويقول إن شنقيط تلقت في المتوسط ​​السنوي 2.5 سم (بوصة واحدة) من الأمطار على مدى العقد الماضي. ومع انخفاض هطول الأمطار، تموت الأشجار، ويهاجر المزيد من الرمال إلى المدينة.

ومع غمر أشجار الأكاسيا الأقصر في الرمال، يلجأ بعض الرعاة إلى قطع أشجار النخيل لإطعام قطعانهم، مما يزيد من تعطيل النظام البيئي واقتصاد زراعة التمور. وقال اباهن إن الرمال تثير أيضًا مخاوف تتعلق بالصحة العامة للمجتمع الذي يتنفس الغبار.

ويعتقد أن الحل يكمن في زراعة المزيد من الأشجار في الأحياء وعلى طول محيط المدينة. وقد تم اقتراح مثل هذه “الأحزمة الخضراء” على نطاق القارة بأكملها مثل “السور الأخضر العظيم” في أفريقيا وكذلك محليًا، في مدن مثل شنقيط.

كما طرحت وزارة البيئة ووزارة الزراعة في موريتانيا بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الممولة من أوروبا مشاريع لزراعة الأشجار لعزل مكتبات المدينة ومخطوطاتها عن الصحراء القادمة.

ورغم إعادة زراعة بعض الأشجار، إلا أنه لا توجد أي علامة تذكر على أنها ساهمت في وقف الصحراء في مساراتها. فقد يستغرق الأمر سنوات حتى تنمو الجذور الرئيسية بعمق كافٍ في الأرض للوصول إلى المياه الجوفية.

وقال الولي، زعيم المجتمع المحلي: “نحن مقتنعون بأن التصحر هو قدرنا. ولكن لحسن الحظ، لا يزال هناك أشخاص مقتنعون بأنه يمكن مقاومته”.

المصدر:إندبندنت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى