اقتصادالرأي

البنوك الإسلامية في موريتانيا بؤرة المخاطر وضبابية التوجه

 

من المعلوم أن البنوك الإسلامية قد تجاوزت القنطرة وأثبتت وجودها في السوق المالية العالمية، وطوحت الآفاق المالية في جميع دول العالم الإسلامي والعربي وحتى الغربي فليست هناك دولة إلا وتوجد فيها بنوك إسلامية، بل إن بعض الدول المتقدمة والنامية تحول نظامها المصرفي بالكامل من نظام تقليدي إلى نظام إسلامي.

الد كتور: الخرشي مصطف حمادي
متخصص في المالية الإسلامية وحوكمة المؤسسات المالية.

كما نجد أن هناك بنوكا مركزية عربية بدأت تراعي خصوصية تلك البنوك الإسلامية وازدواجية النظامين الإسلامي والتقليدي، ولم تشهد البنوك الإسلامية في السنوات الأخيرة أي خسارة مالية يمكن أن تحد من نشاطها بل ارتفعت الميزانيات العمومية للبنوك الإسلامية بنحو 8% العام الماضي، وهو ما يقل قليلا عن النمو العام السابق، لكنه يظل أعلى من نمو أصول البنوك التقليدية، كما تتوقع وكالة” ستاندرد آن بورز” العالمية للتصنيفات الائتمانية نموا مرتفعا عامي 2024 و2025 بعد نمو بنسبة 8% عام 2023 وفق ما ذكرت “إس آن بي غلوبال”.

وقد بلغ إجمالي أصول أكبر 100 بنك إسلامي 1.57 تريليون دولار، وصافي التمويل تريليون دولار، والودائع 1.15 تريليون دولار، ووصل صافي الأرباح إلى 24.4 مليار دولار. حسب منصة “تاب إنساي تش “.

البنك الشعبي - بنوك

إلا أنه وبقدر التوسع وزيادة رؤوس الأموال والأرباح والحيز الجغرافي للبنوك الإسلامية بقدر ما تزداد المخاطر وتتشعب وليست بالضرورة أن تكون موحدة، فنوعية المخاطر التي قد تتأثر بها بعض البنوك الإسلامية ليست هي نفس ما تتأثر بها بنوك إسلامية أخري فالمحيط الذي يكتنف تلك البنوك هو الذي يحدد طبيعة تلك المخاطر والإجراءات الملائمة للتعامل معها

ولم تكن البنوك الإسلامية في موريتانيا بمنأى عن ذلك الرواج والزخم المالي إلا أنها وفي الفترة الأخيرة وجدت نفسها عرضة للمخاطرة الناتجة عن ضعف الحكامة والرقابة المصرفية الفعالة والسمعة مما أدى إلى إفلاس بعضها وخروج البعض الآخر من دائرة المنافسة.

فما طبيعة تلك المخاطر التي كانت سببا في هشاشة الصناعة المالية وإفلاس بعض البنوك الإسلامية في موريتانيا؟

المخاطر الأكثر تأثيرا على البنوك الإسلامية

 هناك عدة مخاطر مشتركة بين جميع البنوك ـ كمخاطر السيولة، وكفاية رأس المال، وسعر الصرف، والتشغيل، والسوق، إلا أن البنوك الإسلامية ربما تزيد على نظيرتها التقليدية بمخاطر السمعة وفقد الثقة، فالبنوك الإسلامية في موريتانيا تشكلت قاعدتها من ذلك الجمهور الإسلامي المحافظ واستطاعت جلب زبناء جدد لم يكونوا في الحسبان نظرا لطبيعتها الدينية ومرتكزها العقدي.

فالكثير من التجار أصحاب رؤوس الأموال وملاك المؤسسات الموردة للبضائع الأكثر استخداما كانت تختزن أرباحها بعيدا عن البنوك التقليدية  خشية التعامل المحرم بالفائدة أخذا وعطاء وبالتالي فهي لا تثق بتلك المؤسسات وقد استطاعت البنوك الإسلامية جلب العديد من تلك الأموال عن طريق تسويق أهدافها ومنتجاتها المالية الإسلامية التي تحرم جميع المعاملات المحرمة.

كما أنها تلتزم بتشكيل لجنة شرعية، المفروض أنها تتمتع بكامل القدرات كالخبرة في مجال الصناعة المالية الإسلامية والإدارة والتسيير ومعرفة المجتمع ومتطلبات السوق.

 انزلاق المسار وتقلص الرقابة الشرعية

عندما ننظر إلى البرامج واللوائح التي نالت بها البنوك الإسلامية الموريتانية  الترخيص والرواج  في الوسط المجتمعي الموريتاني نجد أنها تتقلص شيئا فشيئا، بل إن بعضها مازال في غياهب الرفوف  دون أن ينظر إليه أحرى أن يطبق.

فليست هناك رقابة شرعية قائمة بالذات فالزبون عندما يأتي للبنك بغية سحب أو إيداع أو استخدام منتج أو أسلوب من أساليب الاستثمار لدى البنك الإسلامي ـ فلا يتلقى هناك أي طابع أو إشعار يدل على وجود رقابة شرعية فعالة في ذلك البنك.

بنك الأمانة - موريتانيا - بنوك

فليس هناك أي مكتب خاصة بالهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية في موريتانيا وإنما يوجد مستشارون يدعون من طرف مجلس إدارة البنك في حالات قليلة  ومعظمهم ليس له أدنى اختصاص بالصناعة المالية الإسلامية، وحتي لجان الإدارة والمسيرون والعملاء ليست لهم معلومات كافية عن الصناعة المالية الإسلامية.

ولعل هذ ما جعل قاعدة عملاء وزبائن البنوك يتشكل لديها هاجس من قلة الثقة، وبالتالي بدأت تتسرب بعد أن كانت عضضا قويا وركيزة أساسية في بنية البنوك الإسلامية.

الزخم الذي صاحب البنوك الإسلامية ليس واقعيا

فهناك انفصام تام بين اللوائح القانونية التي سنها المشرع الموريتاني والواقع العملي لتك البنوك، فمثلا القانون الموريتاني يفرض وجود رقابة شرعية فعالة لكل بنك إسلامي لا يقل عددهم عن ثلاثة أشخاص، متخصصين في الصناعة المالية الإسلامية ولهم الكفاءة التامة في المجالين ـ الأكاديمي والمهني بالموازنات مع وجود مدققين شرعيين داخلين ضمن إدارة البنك، وهذا ما تفتقد إليه البنوك الإسلامية.

فعندما ينتقل العميل إلي البنوك الإسلامية بعد أن كان زبونا للبنوك التقليدية على أساس أن الأولى تتعامل وفق مقتضي الشريعة خلافا للثانية، وليجد مبتغاه الذي كان يزعم في البنوك الإسلامية المتمثل في وجود اقتصاد إسلامي حقيقي ووجود رقابة شرعية قائمة فعالة في تلك البنوك، إذا به يرجع للخلف ويسحب تلك الودائع التي قد تتراوح من المتوسطة إلى الطائلة وهو ما يؤثر على ثقة البنك واستقراره المالي.

 استمارة موزعة على بعض الزبائن

 

ولأجل ذلك قمنا بتوزيع استمارات على بعض من مجتمع الدراسة المتمثل في التجار وأصحاب المؤسسات الصغيرة متوسطة الدخل وملاك حوانيت توزيع البضائع الأكثر دخلا في نواكشوط الذين فتحوا حسابات واستثمروا في البنوك الإسلامية، كما قمنا بمقابلة بعض الزبائن من عامة الجمهور والعاملين في البنوك الإسلاميةوكانت النتيجة كالتالي:

ـ على مستوي التجار أصحاب رؤوس الآمال…

وجدنا أن ما يزيد علي 50% تفقد الثقة بشكل كامل أو جزئي في البنوك الإسلامية ولاترى فرقا بينها والتقليدية رغم أن معظمهم مازال يتعامل مع تلك البنوك الإسلامية، كما وجدنا أن 30 % تجهل أصلا السياسة الشرعية الاقتصادية التي تأسست عليها البنوك الإسلامية باعتبارها امتدادا للمذهب الاقتصادي الإسلامي كما أن نظيرتها امتدادا للمذهب الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي.

ما  لا يقل عن 20% يري أن البنوك الإسلامية في موريتانيا مخالفة نظيرتها التقليدية وأنها تعمل وفق الشريعة الإسلامية كما أنه يعطيها ثقته التامة لتلك البنوك وهيئاتها الشرعية.

بنك ماميس - بنك الوفاء الإسلامي- بنوك

ومن الواضح وجود فوارق كبيرة بين مجتمع الدراسة التي وجهت له الاستمارة ومالم تمتطي البنوك الإسلامية صهوة البدار في أسرع وقت وتسخر الأدواة اللازمة وتوجه حلولا لتلك المشكلة ربما يسبب ذلك مخاطر السمعة و فقد الثقة لدي المجتمع والبناء  مما قد يؤدي إلي انهيار تلك البنوك ولو علي المدى الطويل، أو فشل لتلك التجربة الإسلامية التي تجاوزت العقبة الأصعب ـ علي غرار تجربة بعض البنوك الإسلامية الموريتانية التي أعلن عن  إفلاسها  بعد أن كانت مثالا يحتذي به في الصيرفة الإسلامية ولم يكن إفلاسها ناتجا إلا عن ضعف الحوكمة وغياب إدارة فعالة للمخاطر وبالخصوص مخاطر السمعة.

ـ تغاضي البنك المركزي الموريتاني عن مسؤوليته تجاه البنوك الإسلامية

 

 رغم تغاضي البنك الدولي عن الإخفاقات التي شهدها النظام المالي الموريتاني فقد كشف بعض الثغرات المتعلقة بهشاشة البنية البنكية في موريتانيا وضعف الحكامة وغياب الشفافية والإفصاح، مما قد يلقي بظلاله على جميع المؤسسات المالية العاملة في موريتاني و يتسبب في خلق بؤرة للمخاطر  وعلي أساس ذلك قام البنك المركزي الموريتاني بإضافة بعض الإصلاحات القانونية  المتعلقة بكفاية رأس المال والتحوط  وتشكيل لجنة رقابية ،والتحسينات التي  تمت في مجال تسيير المالية العامة، كتحديث الإطار القانوني لإدارة المالية العامة، وكذا النجاح في إنشاء نظام معلوماتي، وإنشاء حساب خزينة موحد.

ورغم ذلك كله مازالت هناك مآخذ في عدم مسايرة البنك المركزي الموريتاني في تطبيق نلك القوانين وضعف الرقابة وعدم وجود إطار متسق للمخاطر وتشتت الإجراءات وعدم قيام الهيئة الشرعية التي أسسها البنك المركزي بمهامها المتمثلة في الرقابة على البنوك الإسلامية وإلزامها بتطبيق حوكمة شرعية جادة ومتكاملة.

التوصيات التي يمكن أن تخفف من وطئه مخاطر السمعة المحدقة بالبنوك الإسلامية

 

بالإضافة إلى السياسات التي ينبغي مراجعتها واعتمادها لدى لجنة المخاطر

في أي بنك إسلامي مثل التحوط، وجودة الخبرات الفنية والإدارية، والاستقرار المالي ونظام التشغيل فلأيمكن أن تترسخ تلك السياسات وتكون حصنا واقيا للبنوك الإسلامية من تأثير المخاطر إلا بتفعيل المسائل التالية:

الأولي: بيان الرسالة والقيم الجوهرية للبنوك الإسلامية

إن وضوح الرسالة والقيم الاجتماعية والإنسانية بالإضافة إلى الجانب الأخلاقي والديني وتأكيدها لكافة العاملين في المصرف قد تكون الخطوة الرئيسية الأولي لإدارة مخاطر ناجحة وبذألك تزداد درجة اقتناع العاملين بالأهداف العامة للمصارف الإسلامية بأبعادها المختلفة الدينية والأخلاقية والمجتمعية وتعلقهم بهذه الأهداف يؤدي في حال توفر العناصر الضرورية الأخرى إلي زيادة درجة ولاء العاملين للمصرف.

الثانية: ربط البنوك الإسلامية بالإطار العام للاقتصاد الإسلامي باعتبارها امتدادا لفلسفته وسياسته
الثالثة: التأكيد على ثوابت وأهداف المصرف ورسالته

فوجود أفراد مؤمنين بهداف ورسالة المصارف الإسلامية مدركون لأهمية نجاحه في مجتمعاتهم أهمية قصوى لنجاح المصرف ونجاح سياسات إدارة المخاطر فيه والتخفيف من آثار المخاطر التي قد تتعرض لها المصارف الإسلامية بل نستطيع القول بكل ثقة أن امتلاك المصرف لمجموعة من الأفراد المؤمنين برسالته، المتحمسين لأهدافه الواثقين من إداراتهم الإسلامية المختلفة يشكل أساسا لإدارة مخاطر فعال بل ولنجاح المصرف وتطوره

الرابعة:توحيد المعايير الشرعية

توحيد المعايير الشرعية بدل الشتات في الفتوي والفوضى في الآراء وحتى يكون التعامل على قدم المساواة لجميع البنوك فالذي تبيحه هذه اللجنة المتساهلة ربما تحرمه الأخرى المتشددة وهذ ما دعت إليه لجنة المحاسبة والمراجعة للمالية الإسلامية “الأيوفي ”

الخامسة : تثقيف المدراء وعملاء البنك الذين هم على الواجهة بجدوى وسياسة البنوك الإسلامية عن طريق قصاصات توزع عليهم ودورات تكوينية تمكنهم أن يتعاملوا مع الزبناء على أتم وجه .


السادسة: ينبغي للبنوك الإسلامية أن يتخذوا منحى آخر في وسائل التسويق دون الاعتماد على الوسائل التقليدية العادية ، ــ في طلعة البدر مايغنيك عن زحل ــ
وينبغي لهذ التسويق أن تشارك فيه هيئات الرقابة الشرعية عن طريق إرسالهم للأسواق والوكالات التي توجد خارج العاصمة انواكشوط وإلقاء الدروس والمحاضرات التي تبين للناس أهمية الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية وتحثهم علي ضرورة الابتعاد عن البنوك الربوية والتعامل المحرم ، كماينبغي للبنوك الإسلامية أن ترعى بعض البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن مواضيع الاقتصاد الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى