بينما يطبق الركود على الوسط السياسي في نواكشوط وضواحيها. أطل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من زنزانته وأطلق وابلا من الرصاص نحو سجانيه وأخلائه القدماء، مثيرا جدلا جديدا حول الفساد واستغلال النفوذ والتجسس على كبار المسؤولين.
عزيز الذي وصل للسطلة بالانقلاب والانتخاب، حكم موريتانيا لأكثر من 10 سنوات، وما إن غادر منصبه في 2019، حتى بدأ يحزم حقائبه نحو مراكز الشرطة والمحاكم ثم انتهى به المطاف نزيلا دائما في السجن مدانا بالفساد والإثراء غير المشروع.
في أعوامها الأولى، أنعشت المحاكمة السوق السياسية في نواكشوط، لكن الناس سئموا منها، وسط مزاحمة المعارضة للموالاة في الإشادة بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
كان غزواني صديقا مقربا من عزيز لأكثر من 40 عاما ورفيقه في الانقلابات، وقائدا للجيش في عهده قبل أن يستخلفه على إمامة المرابطين في يوم مشهود.
يقول البعض إن خصومة الرجلين أساسها أن السابق حاول جعل اللاحق مجرد واجهة يواصل من خلالها حكمه للبلاد.
وفي المقابل يصر خصوم عزيز على أنه مجرد فاسد أدانه القضاء، فيما يرجم آخرون بالغيب ويفترضون وجود شيء أكبر من اختلاس المال العام ومن محاولة الاحتفاظ بالنفوذ من وراء حجاب.
أنتم السارقون
وبعد معركة قانونية حول مدى دستورية محاكمته، اختار عزيز أن ينثر كنانته من أسرار الدولة، فرد تهمة الفساد إلى رفيق دربه وخلفه في القصر الرمادي الذي خرج منه طوعا، وقيل كرها.
وكما قال العام الماضي، شدد ولد عبد العزيز على أن الأموال التي يتهم باختلاسها، هي ببساطة هدايا من صديقه وخلفه الرئيس ولد الغزواني.
وفق ولد عبد العزيز فإن غزواني سلمه 10 ملايين دولار و50 سيارة عابرة للصحراء، ملقيا بمزيد من الغموض على أسباب النهاية الكارثية لصداقتهما.
ولم يتوقف ولد عبد العزيز عند هذا الحد. فقد اتهم الرئيس بالضلوع في الفساد ومحاولة تضخيم فاتورة بناء ميناء انجاكو من 80 مليون دولار إلى 500 مليون، عندما كان رئيسا للأركان.
ولم يكن غزواني الصديق القديم الوحيد الذي استهدفه عزيز من قاعة محكمة الاستئناف، فقد أطلق الرصاص نحو رجل كان يده اليمنى وخازن أمواله وأسراره.
كان ولد اجاي وزيرا للمالية في عهد عزيز لسنوات، ولكن القضاء لم يوجه له التهم أصلا فيما يعرف بملف العشرية، ليصطفيه غزواني مديرا للديوان ثم رئيسا للوزراء.
ولم يستسغ ولد عبد العزيز إدانته شخصيا وبراءة ولد اجاي الذي كان يصرف له المال لسنوات، وتورط مع غزواني في محاولة تكبيد الدولة خسائر فادحة في صفقة الميناء، على حد قوله.
حساب لم يغلق
ثم عاد ولد عبد العزيز “لحسابه القديم” مع قطب المال محمد ولد بوعماتو، وهو واحد من عشيرته الأقربين ومن الذين دافعوا عنه عندما كان حاكما انقلابيا ودفعوا به للسطلة لاحقا حينما خلع بزته العسكرية وترشح للانتخابات في 2009.
كان المال عصب العلاقة بين الرجلين، حبا وبغضا، ففي البداية سخّر ولد بوعماتو إمكانياته المادية وعلاقاته الخارجية لتثبيت عزيز في السطلة بعد أن كان يترنح في 2008 .
لكن المصالح والمطامح المادية، ما لبثت أن تسببت في صدامهما، ففر بوعماتو خوفا من بطش عزيز، بعد أن قلّم أظافره التي تجاوز طولها السجائر والبنوك والسيارات إلى الكهرباء والاتصالات والمعادن والمقاولات.
وفق ولد عبد العزيز، فإن بوعماتو كان ينهب يوميا 60 مليون أوقية من شركة الكهرباء، و500 مليون سنويا من ATTM، بمقتضى صفقات جائرة بحق ممتلكات الشعب الموريتاني الفقير.
وبما أن المتحدث رئيس سابق، فإن هذه المعلومات تضع القضاء في حرج كبير، ذلك أنه لا يوجد مانع دستوري أو سياسي من البناء عليها في استجواب بوعماتو على الأقل.
بيد أن الطامة الكبرى تتعلق، بشركة موريتل التابعة جزئيا لاتصالات المغرب، فقد ضربها عزيز بقذيقة من شأنها أن تفجر أبراجها، حيث كشف أنها كانت تتجسس على مكالمات المسؤولين الحكوميين وتسربها لجهات أجنبية.
تحريض الرأي العام
تقريبا، تجاهل المقربون من غزواني التهم التي وصمه بها عزيز، لكنها أسالت مدادا كثيرا وبدت بمثابة تحريض للرأي العام على المطالبة بمحاكمة الرئيس الحالي بعد أن يغادر القصر في 2028.
وفق البرلمانية منى بنت الدي، فإن محمد ولد عبد العزيز مارس الكذب في أرخص حالاته، عندما قال إن غزواني هو من منحه المال الوفير.
أما الناشط عبد الرحمن ولد ودادي، فرأي أن حديث ولد عبد العزيز مجرد هلوسات تعكس شعوره بالقهر في السجن الانفرادي، قائلا إنه لم يتردد “في سرقة شعب من أفقر أهل الأرض ولم يتورع عن أذية من عارضوه”.
لكن المدون محمد محمود ولد ابنيجارة اعتبر أن الرئيس السابق اختار أن “يكسر البيض الفاسد على رؤوس خصومه من الفاسدين اللصوص الذين نهبوا بلادنا ودمروا فرص قيامها”.