قبل ست سنوات تأسست بمدينة أطار شركة تمور موريتانيا، وقبل أن تكون متخصصة في حفظ وتعليب التمور، كانت مهمتها الأولى هي تحسين تنافسية التمور الوطنية في وجه نظيرتها المستوردة،وخلق فرص عمل وحماية منتجات الواحات.
نواكشوط – الخضر عبد العزيز
تحقق الحلم الذي طال انتظاره في ولاية آدرار، واتجهت الأنظار نحو المصنع الوليد أملا في توفير فرص عمل تمتص البطالة المستفحلة وتنعش أسواق التمور في الولاية، لكنها أحلام سرعان ما تبددت وأصبح المصنع كابوسا للمزارعين والعمال الذي يتظاهرون في كل فترة للمطالبة بدفع مستحقاتهم المتأخرة.
وكانت الدولة قد استثمرت في هذه الشركة عند نشأتها أكثر من 1,6 مليار أوقية قديمة، وقبل فترة كلفت توسعتها التي دشنها الرئيس غزواني نحو 65 مليون أوقية جديدة.
وعلى الرغم من هذه التمويلات الضخمة، وما تملكه موريتانيا من مقدرات تفوق 2,6 مليون نخلة، تنتج سنويا 24 ألف طن، فمازالت الشركة الموريتانية غير قادرة على التنافس ويشكو المواطنون من ندرة منتوجها في المحلات التجارية ويعتمدون على التمور المستوردة.
وفرة في المعارض وندرة في الأسواق
قد يخيل إليك وأنت تتجول في المعارض المحلية أو تتابع تنقلات مديرة الشركة بين المؤتمرات الدولية والإقليمية للتمور، عبر صفحتها على الفيسبوك أنك أمام شركة عملاقة تغزو منتجاتها الأسواق المحلية على الأقل، لكن الواقع يقول أن القدرة الإنتاجية للشركة لا تتعدى 1000 طن وأن منتجاتها غير متوفرة في الأسواق.
وأثناء إعدادنا لهذا التقرير دخلنا على أكثر من عشر مجمعات وسط نواكشوط الغربية بحثا عن منتجات شركة تمور موريتانيا فلم نجدها إلا عند مجمعين فقط، أحدهما لصاحبه بتار عبد الله قال لنا: إنه قبل شهر عرض عليه موزعو الشركة كراتين وأخذ منها واحدة وحتى الآن باع منها علبتين.
وأكد بتار في حديثه لموقع تحديث: أنه يجد صعوبة في تسويق التمر المحلي أمام منافسه الجزائري الذي يعتبره المفضل لدى الزبناء لأنه حسب قوله أكثر جودة و أقل سعرا.
أما محمد صاحب المجمع المطل على ذات الطريق الذي عليه بتار فقد أوضح باختصار” أنه لا يبيع التمر الموريتاني لأنالزبناء لا يرغبون فيه”.
لكن وحسب مصادر من داخل الشركة “فإن نقطة التوزيع الوحيدة في نواكشوط تقوم بعمليات توزيع يوميا من الإثنين إلى الجمعة وتتلقى الطلبات وتوصلها مجانا للمحلات التجارية.
عجز في التنافس
وبينما كانت تمور موريتانيا تخطوا خطواتها الأولى نحو هدفها الأول وهو تحسين تنافسية التمور سنة 2019، استوردت موريتانيا حينها نحو 3,9 ألف طن من التمور، لكنها وفي عام 2023 وبعد 5 سنوات من تأسيس الشركة، وصل حجم واردات موريتانيا من التمور إلى أكثر من 5,7 ألف طن بزيادة 2 طن.
وحسب الوكالة الموريتانية للإحصاء فقد بلغت قيمة واردات موريتانيا من التمور في عام 2023 أزيد من 317 مليون أوقية، مقابل 153 مليون أوقية، في عام 2019.وهو ما يعني أن قيمة واردات التمور زادت بعد سنوات من تأسيس الشركة 164 مليون بدلا من أن تنقص.
ديون متراكمة
وتعتمد شركة تمور موريتانيا على الشركاء المحليين من منتجي التمور، وفي كل موسم من مواسم الإنتاج تفتح أبوابها أمام المزارعين لشراء التمور من أصحاب الواحات من مختلف الولايات.
ورغم أن الباعة في سوق التمور يجمعون على أهمية المصنع ودوره المحوري في إنعاش سوق التمور وشراء المنتج وتأمين تسويقه كمادة مصنعة، إلا أنهم في المقابل لا يخفون استياءهم من الطريقة التي يسير بها المصنع منذ نشأته، ويشكون من معاملاته“الضبابية”.
وعلى ما يبدو فإن عجز الشركة عن التنافس ودخول السوق بقوة انعكس سلبا على علاقتها بالشركاء المحليين بعد أن تراكمت عليها الديون وظلت الأزمة بينها وبين المزارعين في تصاعد.
فقبل أسابيع قليلة تظاهر العشرات من مزودي الشركة بالتمور في أطار للمطالبة بتسديد ديونهم، وتحدث المزارع ولد باكيلي لوسيلة إعلامية محلية عن الظلم الذي تعرض له من طرف الشركة التي باع لها حسب ما يقول “كميات من التمر شهر 9 من عام 2023، على أجل أقصاه شهر 2 من 2024,“
وبعد اكتمال عام على المعاملة يقول باكيلي “إنه وحوالي 300 مزارع مازالوا يطلبون حقهم في الشركة“.
وعندما تواصل موقع تحديث مع أحد هؤلاء المتضررين اعتذر عن الظهور” لأن الشركة تواصلت معه ودفعت بعض حقوقه وتعهدت بدفع الباقي“ لكنه أفاد باقتضاب “أن هناك عشرات من المتضررين الضعاف الذين لم تتصل بهم الشركة ولم تدفع بعد مستحقاتهم”
لعنة الشراكة العمومية
ورغم أن لشركة تمور موريتانيا جوانب مضيئة كتوفير فرص العمل ودورها الاجتماعي في تشجيع المزارعين وملاك الواحات إلا أنها لم تسلم بعد من لعنة الشرائك العمومية التي أجهضت شركة السكر وأفلست شركة النعمة للألبان.
وفي حديثه لموقع تحديث يرى المحلل الاقتصادي سيدي الخير عمرو “أن الشركة الوطنية للتمور حتى الآن لم ترفع العبء عن الدولة التي تدعمها بمبالغ مالية ضخمة كما كانت تدعمها في مراحلها الأولى.
ويعود السبب حبس الخبير إلى “أن الشركات العمومية لم تبن في الغالب على أساس ربحي وإنما على أساس اجتماعي بحت، وذلك لخلق وظائف أو ممارسة أدوار سيادية.
فالفكرة التي يتبناها القطاع العام ككل تقريبا تقوم على وجود شركة ووظائف فقط مما يمثل هدر الفرص الاقتصادية وإضاعة مزيد من الوقت .
وأوضح سيدي الخير أن هذه الشركة ممولة من مال دافعي الضرائب ولا ينبغي أن تبقى هكذا تسير في دوران الإفلاس وتراكم الديون، معتبرا أن ذلك خلل تسييري يخلق منها مشكلة بدل أن تحلها.
ويرى المتحدث: أنه قد آن الأوان لشركة التمور أن تعمل على تحسين وضعيتها من خلال التعامل مع مستثمرين خواص، وخلق الحوافز وتوفير الدعم، ومواكبة الصناعة التكنلوجية العالمية في حفظ التمور وتوطين خبراء متخصصين، لتصل مرحلة تغطية الخسائر أو جني الأرباح.