الانتخابات السنغالية.. قراءة في مآلات المشهد السياسي
سلطان البان – محلل سياسي مقيم في لندن
وصل باسيرو ديوماي فاي في 24 مارس/آذار 2024 إلى سدة الحكم في السنغال. بعد أن صوت السنغاليون بأغلبية ساحقة لصالح مرشح حزب باستيف، مما منحه أكثر من 54% من الأصوات في الجولة الأولى.
لكن ديوماي فاي اصطدم بمعضلة الأغلبية في الجمعية الوطنية، مما أصبح عائقا حقيقيا أمام تنفيذ البرنامج الذي انتخب من أجله.
كما عانى الحزب الحاكم “باستيف” من صدمات تشريعية حاول تمريرها، بما في ذلك رفض الأغلبية البرلمانية السابقة، في سبتمبر/أيلول، التصويت على مشروع القانون الذي يقترح إلغاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للجماعات المحلية. وهو ما أثار حفيظة الحزب الحاكم، نظراً للدور الهام الذي تلعبه الدورة النصفية في التصويت على الميزانية. وللأهمية البالغة للجمعية الوطنية في لعب دورها في الإصلاحات الرئيسية التي يتعين القيام بها.
ضرورة حل البرلمان
في 12 سبتمبر/أيلول، أي بعد خمسة أشهر من تولي بسيرو ديوماي فاي منصبه. قام بما كان متوقعا حيث قرر حل الجمعية الوطنية العصية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. حيث لا يمكن للرئيس أن ينفذ برنامجه السياسي في دولة ما لم تكن جمعيتها الوطنية تابعة له. وهي الانتخابات التشريعية الجارية التي تمثل القطيعة مع طبقة سياسية ظلّت مسيطرة لأكثر من 3 عقود من الزمن على المشهد السياسي السنغالي.
تم استدعاء أكثر من سبعة ملايين ناخب اليوم الأحد 17 نوفمبر مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع. بعد مضي 7 أشهر على انتخاب الرئيس، لاختيار نوابهم الذين سيمثلونهم في البرلمان. ويأمل حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة “باستيف”، الحزب الحاكم بقيادة رئيس الوزراء عثمان سونكو، في الحصول على أغلبية مريحة. تسمح له بالحكم بهدوء وتنفيذ برنامج القطيعة الذي وعد به السنغاليون.
في المقابل تصارع المعارضة في السنغال من أجل فرض ذاتها على النظام الجديد. وهي أهداف يخشى بسيرو ديوماي ورفقيه عثمان صونكو تحقيقها لأنها ببساطة ستكون بمثابة العقبة التي تواجه الحكومة. مما قد يضطر إلى جعل الرئيس يبحث عن إيجاد حلول بينية أو بناء تحالفات سياسية مع مختلف القوى السياسية في البلاد.
وهذه مراحل سياسية معقدة لها أول وليس له آخر. بالتالي كثّف الطّيف السياسي المعارض تواجده في لوائح الانتخابات التشريعية. في خطوة تنافسية تشير إلى نيّة المعارضة إيجاد مكان لها في الدورة البرلمانية المقبلة.
وفي مواجهة حزب باستيف الحاكم. تقدمت أربعون قائمة بمرشحين، من بينهم أولئك الذين ضمن المسار السياسي للرئيس السابق ماكي سال. والذي عاد إلى الساحة السياسية من دفة المعارضة، و رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الاقتصادي أمادو با.
هذه الصورة السياسية المتباينة تشير إلى سعي المعارضة إلى فرض نفسها بقوة على النظام الجديد عبر عدة مداخل سياسية. وهو السيناريو الذي قد يكون يعيق مشروع الرئيس بسيرو ديوماي فاي ورفقيه عثمان صونكو في حال تحقق.
توترات سياسية
الحملة الانتخابية تميزت ببعض التوترات و التطرف السياسي بعد دعوة بعض السياسيين إلى أعمال العنف. حسب ماهو متداول على صفحات التواصل الاجتماعي والمنصات السنغالية.
لكن كل هذا يدخل في إطار الصراع القائم بين الحزب الحاكم والمعارضة السياسية التي انقسمت على نفسها.
وجدير بالذّكر أيضا أن المشهد السياسي في السنغال لا يخلو من التوتر بين المعارضة، ومن هم في السلطة.
ولكن سرعان ما يعود الأمر إلى طبيعته، الحزب الحاكم يبحث عن الأغلبية المطلقة، أي 83 نائباً. مما يسمح لبسيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو بتنفيذ برنامجهما السياسي.
وعلى وجه الخصوص، يريدون تنفيذ إصلاح قضائي عاجل: إنشاء محكمة العدل العليا. وستكون لهذه المؤسسة مهمة محاكمة الوزراء الذين أخلّوا بإدارة الأموال العامة والذين أصبحوا اليوم متورطين في فضائح مختلفة .
تحالفات
المعارضة السياسية حاولت جاهدة أن تضع حدًا لخلافاتها السياسية.
و تتفق على اكتساح المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية الجارية دون فرض مرشحين تقليديين. مثلا؛ الحزب الديمقراطي السنغالي والتحالف من أجل الجمهورية، اللذين كانا عدوين بالأمس. اتحدا في مشهد سياسي ودّي و أصبحا صديقين اليوم داخل تحالف يدعى “تاكو والو”. الذي يقود قائمته الرئيس السابق ماكي سال، و ائتلاف “جام آك”، بقيادة المرشح الرئاسي السابق أمادو با، الذي حصل على نحو 35% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحالف مع أحزاب يسارية مثل الحزب الاشتراكي وتحالف القوى من أجل التقدم.
إذا لدينا تكتلات سياسية جديدة ومتنوعة وهو ما يفسر مستوى التنافس في الأربعين قائمة المتنافسة. والتي يتصدرها أشخاص في الأربعينيات والخمسينيات من أعمارهم.
وفي المقابل، فإن الشخصيات التي هيمنت على المشهد السياسي طوال الثلاثين عاماً الماضية. مثل رئيس الوزراء السابق إدريسا سيك و عمدة داكار السابق خليفة سال، لم يكونا مرشحين، هذا يعني أن الانتخابات البرلمانية جاءت بما يشبه تجديد الطبقة السياسية، و إحداث القطيعة مع الماضي ودرنه.
Sultan Elban سلطان البان
17/11/2024
LONDON-CCCCU UNIV