شخصيات

ورطة الملأ الأمني.. الشيخة العزة التي ملأت الجيوب وشغلت الناس

تحديث – خاص

مثل أي من أفراد أسرتها، كان الناس يلتمسون منها البركة والدعاء وكانت تستقل سيارات النقل العام وتؤرقها فواتير المياه والكهرباء على غرار بقية جيرانها الفقراء بمقاطعة عرفات، وما إن أطل عام 2021، حتى أصبحت في طليعة أثرياء البلد ورمزا للنفوذ في قطاعات السياسة والأمن والقضاء.

العزة بنت الشيخ آياه تنتمي لفرع الشيخ سعدبوه من عائلة آل الشيخ محمد فاضل، ومن الطبيعي أن تحظى بزخم روحي واجتماعي في موريتانيا والجوار الأفريقي، فقد ظلت أفئدة الناس تهوي لحاضرة النمجاط على مدى عقود.

الخمسينية التي كانت تجوب أفريقيا من شرقها لغربها، تدلي بسبب آخر إلى الشهرة والأضواء، فوالدتها تنتمي لعائلة أهل الميداح التي أنجبت العديد من الفنانين والشعراء الشعبيين وشكلت حضورا قويا في المشهد الثقافي بموريتانيا.

متسلحة بإرث العائلة وبمساعدة من زوجها المغربي الراحل الدكتور الهيبة ولد الشيخ ماء العينين، حاولت الشيخة العزة كشف الأسرار والعبور إلى ما وراء الحجب وسافرت كثيرا إلى دول الخليج.

ولكن العارفين بالأسرة يقولون إنها لم تتبوأ مكانة عالية في عالم الرقية ولم تكن تكسب منها إلا القليل من المال، فيما كان شقيقها الشيخ عبد العزيز يكسب من تقنية “طرح الاستخارة” في عرفات 500 أوقية، وهو مبلغ أقل من دولارين.

سيارات فخمة أقلت الشيخ عبد العزيز ولد الشيخ أياه ووفدا يرافقه في زيارة للسنغال
سيارات فخمة أقلت الشيخ عبد العزيز ولد الشيخ أياه ووفدا يرافقه في زيارة للسنغال

 

 

مائدة من السماء

وقبل طمس مسرح حياتها في عرفات، حلّقت الشيخة العزة في أجواء عالية جدا، وبدا أن مائدة من السماء نزلت عليها، في تحول جذري لا يمكن تبريره بالنسبة لكثيرين، ولكنه طبيعي لدى المحبين والمريدين.

في مشهد غير مألوف في بلاد التلثم حياء، تظهر الشيخة في خرجاتها تمسك بيد سبعيني يطلقون عليه في نواكشوط السيد حرم العزة، ويبدو غير مكترث بقوامة زوجته على المشهد وتسليط الضوء عليها وحدها.

وفق مصادر عائلية وعدلية، سبق أن أتهم ولد المصطفى في قضايا مالية، لكن أحدا لم يبادر للربط بين سجله العدلي والثراء الخيالي للمرأة التي تمسك بيده وتجوب به المهرجانات والفعاليات.

المال المنهمر على العزة ساعدها في تسويق أخيها الشيخ عبد العزيز لمنصب الخلافة العامة لغرب أفريقيا، وحظي بمباركة أبرز رجال السياسة والمجتمع في ولاية اترارزة على الأقل.

في بداية فصل الثراء، ركزت الشيخة العزة على المدونين والمطربين والصحفيين، فأجزلت العطاء لهذه الفئات، التي تبادر حاليا للهجوم على كل من يسأل عن مصدر المال الكثير وتتهمه بالحقد والحسد.

وفي المرحلة اللاحقة، كان لا بد للمال من قوة تحميه، فوسّعت الشيخة العزة دائرة علاقتها في دوائر الأمن والسياسة، وباتت تحظى هي والسيد حرمها وأخواها وابنتها بمقاعد بجانب الوزراء في أنشطة الحكومة.

يتردد في نواكشوط أن العدالة اختبرت ذات ليلة مدى نفوذ حفيدة الشيخ سعد بوه، فردت بحسم وسرعة ليجد القاضي أحمد عبد الله المصطفى نفسه مقصيا من منصب وكيل الجمهورية بعد أن سال مداد كثير حول قوته أثناء توليه التحقيق مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأعضاء حكومته فيما يعرف بملف عشرية الفساد.

الشيخ عبد العزيز ولد الشيخ  آياه قال إنه لا يوجد إنسان أكثر منه مالا في العالم كله

حفل تتويج

ثم تتالت رسائل ووسائل القوة فجاءت الانتخابات الرئاسية الماضية لتكون بمثابة حفل لتتويج العزة بزعامة اترازة سياسيا، بعد أن بدا أن المال لم يحسم بشكل كامل منصب القطبية الصمدانية لصالح الشيخ عبد العزيز.

انتقال رقم المسجلين للتصويت في مكتب النمجاط من حدود الألف إلى نحو 8 آلاف، كان بالنسبة للبعض علامة فارقة على فاعلية “سر المال” في خرق العادات وطي المسافات وتحقيق الغايات.

ومهما يكن، فإن أصوات النمجاط كانت بلاغا من الداه ولد عبد الجليل بعودته من القرن الماضي ورسالة  شخصيه منه بأن “المقادير” الانتخابية تجري وفق المشيئة، وبأنه هندس عملية كوبني لتكون فكرة صالحة لكل زمان ومكان.

الشيخة العزة والسيد حرمها وشقيقاها وابنتها، سجلوا حضورا بارزا في حفل تنصيب رئيس الجمهورية، وقد غطى زخمهم على أعضاء الحكومة ونواب البرلمان، وخطفوا الضوء من محمد ولد بوعماتو  وغيره من رجال الأعمال البارزين.

هذا الحضور، سرعان ما تُرجم على الفور في وسائل التواصل الاجتماعي بأنه تقدير من الرئاسة لدور الأسرة في احتفاظ الرئيس ولد الغزواني بمنصبه لمأمورية ثانية، وقيل يومها إن العزة حجزت مقعدا لابنتها في الحكومة المقبلة.

قصر العدل
العدالة الموريتانية بدأت التحقيق في ملف المخدرات وغسيل الأموال

واشنطن وشلة المنكرين

لكن الرياح الأميركية جرت بما لا تشتهي “السفن” في موريتانيا، فقد تتالت التسريبات والتقارير عن احتجاج واشنطن سريا ورسميا عن تغاضي نواكشوط عن عبور المخدرات وتبيض الأموال.

ومن هذا المنطلق، اغتنم النشطاء الفرصة للتساؤل من جديد عن مصدر ثروة العزة، وربطها بعضهم بالاتجار في المخدرات وغسيل الأموال.

بقدر ما اقتربت من الوسطين الفني والسياسي، ابتعدت سيدة النمجاط عن رجال القانون، فلم تطلب منهم -على ما يبدو- أي استشارة حول سلوكياتها المالية، فظلت تقدم ما يكفي من الأدلة على أنها تمتلك ثروة خيالية لا أصل لها ولا فرع في قواعد الكسب المشروع.

ومن حيث لم تحسب، اعترفت العزة بثرائها، وقالت إن مصدر أموالها ميراثها من الرقية من جدها الرابع الشيخ سعدبوه بن الشيخ محمد فاضل، دون أن تتنبه إلى أن من الوارد أن تُسأل عن كيفية تحويل المال وعن الجهة التي أعطته مقابل الرقية.

الشيخ عبد العزيز هو الآخر، لم يركن إلى القانونيين، عندما قال في مقطع مصور إنه لم يسع يوما للرزق وإنه لا يوجد من هو أكثر منه مالا في مشارق الأرض ومغاربها.

حتى الحين، لم يتضح حجم نصيب الشيخة العزة من الـ 15000 عقار التي نقلت صحافة المغرب أن موريتانيين اشتروها -بقيمة 600 مليار أوقية- في مدن المملكة الراقية مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش.

لكن يتردد في نواكشوط أن سيدة من الوسط الرسمي في موريتانيا وتحمل جنسية المغرب اشترت عقارات كثيرة في المملكة لحساب حفيدة الصوفية والفن.

وربما تحولت العزة في الأيام الأخيرة إلى معضلة أو ورطة للملأ الحاكم في نواكشوط لأن إدانتها ستمتد لشخصيات سامية واكبت تدفق المال، بينما لن تقنع تبرئتها الأميركيين والمنكرين للكرامات والبركات والأسرار الكونية الذين يتمسكون بأن الحصول على المليارات يتطلب رأس مال وعقودا من التخطيط والمضاربة في الأسواق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى