قطار المدرسة الجمهورية يتعثّر في الأحياء الراقية

نواكشوط- حسام خلف
من الآن. الطفل الذي تقلّه إلى المدرسة سيارة المرسيدس الفخمة، لم يعد مجبرا على الجلوس إلى جانب أقرانه من الطبقات الكادحة، والذين تغبر أقدامهم قبل اللحاق بالدرس.
ولا يمثل العام الدراسي الجديد استثناء من حيث الجدل الذي يرافقه، فعادة يتجدد الحديث مع أكتوبر من كل عام حول ضرورة إصلاح التعليم ومراجعة المناهج وتحسين ظروف المدرس، وينخرط الأساتذة في “سوق تبادل مناطق العمل” مقابل أثمان محددة، طبقا لمصالح الأطراف.
لكن افتتاح العام الدراسي الحالي رافقه قرار جديد يستثني مدارس في الأحياء الراقية من نظام المدرسة الجمهورية الذي جعله الرئيس محمد ولد الغزواني عنوانا لبرنامجه لإصلاح التعليم.
وتقوم المدرسة الجمهورية على عدة ركائز من أهمها، اقتصار التعليم في المرحلة الابتدائية على المدارس الحكومية، وهو ما من شأنه أن يضمن تشبع الناشئة بالقيم الوطنية، ويضمن تعزيز اللحمة الوطنية عبر ضمان التواصل بين مختلف الأعراق.
بيد أن وزارة التهذيب وإصلاح التعليم، استثنت هذا العالم من نظام المدرسة الجمهورية مدارس خاصة ذات مناهج أجنبية، حيث أتاحت لها استقبال طلاب الصفوف الأول والثاني والثالث.
وتقع هذه المدارس كلها في أحياء راقية في نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو.
وقد شكل القرار صدمة كثيرة بالنسبة للمهتمين بالإصلاح ورأوا فيه تراجعا عن نظام المدرسة الجمهورية التي يوليها الرئيس حيزا خاصا من اهتمامه.
الخليل الحسين المعلم في المدرسة رقم 1 في “كوراي” بغيدي ماغا أكد أن فكرة المدرسة الجمهورية رائدة يجب الاستمرار والصرامة في تنفيذها.
ويعتبر الحسين أن مشروع المدرسة الجمهورية سيساهم في تنشئة جيل متعايش فيما بينه، تذوب فيه الفوارق الاجتماعية والمادية، مضيفا أن الوصول لهذا الهدف يتطلب مضاعفة الجهود من حيث زيادة الطواقم التدريسية والمعدات اللوجيستية من أقسام وطاولات.
الارتجال والمفاجأة
وقال محمد يحي احمد سالم الأمين العام لمكتب آباء التلاميذ في مدرسة عبد الله ولد انويكظ في لكصر إنهم كآباء رحبوا بهذه الفكرة لما تسهم فيه من خفض للتكاليف الباهضة التي باتت تصرف على التعليم الخصوصي ودخلوا في تعاون مع المدرسة من أجل تضافر الجهود ومساهمة في نجاح المشروع بحسب تعبيره.
وأضاف “نجحنا في السنوات الماضية في خلق جو مرضي لمواصلة الدراسة عبر فتح عدة فصول للسنة الواحدة وتوفير المدرسين وحجرات كافية، لكن تفاجأنا هذه المرة بالتراجع عن تلك الخطوات والعودة لظاهرة الاكتظاظ من جديد بالوصول إلى أكثر من ستين تلميذا في الفصل الواحد”.
وعلى حسابها في الفيسبوك كتبت البرلمانية السابقة زينب بنت التقي “من الخطوات الارتجالية إلغاء التعليم الخصوصي على مستوى الابتدائية في حين لا تملك المؤسسات العمومية القدرة الاستعابية اللازمة ومن تلك الخطوات مستوى الانتقائية على مستوى الاستثناءات، في كل دول العالم تعليم عمومي وخصوصي فمشكلة التعليم لدينا ليست هنا”.
تراجع واحتيال
وصدر قرار الاستثناء بعد يوم واحد من الافتتاح الرسمي للمدارس، الأمر الذي أثار جدلا على وسائط التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض تحايلا وتراجعا عن المضي في تنفيذ مشروع المدرسة الجمهورية.
وفي تصريح لموقع “تحديث”، قال مسؤول كبير في وزارة التعليم إن استنثناء المدارس الراقية من نظام المدرسة الجمهورية، بدأه وزير التعليم السابق المختار ولد داهي.
وأضاف أن وزيرة التعليم الحالية هدى بنت باباه، لم يعد بإمكانها إلغاء هذا الاستنثاء، على حد قوله.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي اعتبر البعض أن هذا الاستثناء طبيعي لأن الأثرياء لن يقبلوا بجلوس أبنائهم بجانب أبناء الطبقة المسحوقة.
مآلات الاستثناء
ولكن الأمر يتجاوز فكرة الاندماج والتعايش إلى مستقبل التلاميذ في مراحل مهمة من حياتهم، لأن السماح للبعض بتلقي أبنائهم التعليم في مدارس خاصة تقدم تعليما جيدا وحرمان الآخرين من ذلك بقرار رسمي، يخلق فوارق جوهرية بين الفريقين في التعليم الثانوي والجامعي وحتى في سوق العمل.
وتوقع فاعلون في قطاع التعليم أن يتدخل الرئيس غزواني شخصيا لإلغاء هذا الاستنثاء لأنه يتعارض مع فلسفته في خلق فرص تعليم جيدة تجمع الناشئة من جميع الأعراق.
ويشار إلى أن عهد الرئيس غزواني شهد إنشاء العديد من المدارس والمتكاملة والجيدة عمرانيا في مختلف أنحاء الوطن، إلى جانب زيادة أجور الأساتذة والمعلمين واكتتاب أعداد كبيرة منهم.